الأخبار

الاثنين، 31 ديسمبر 2012

عملية كسر القيود .. [حفروا نفقا] بالفيديو.

الإخوة في معتقل بالسودان وقد حكم عليهم ... حفروا نفقا في الزنزانة الداخلية إلى خارج السجن ...
معقول؟
نعم معقول هم أناس على الله يتوكلون .. وبالأسباب الشرعية أخذون. [ثم أتبع سببا]
طلقوا الهزيمة النفسية ... لا يركنوا إلى صنم التبرير ... ولا يحتجون خوفا على أنفسهم بمصلحة الدعوة.

هل قاموا به مرة واحدة هذا لا يمكن؟
كانوا يحفرون ما بين نصف متر إلى متر في اليوم.

أليس هناك تفتيش فيرون أثر الحفر؟
كانوا يحفرون كل يوم نصف متر ثم يخفون آثار الحفر فيضعون خرقة عليها رمال ثم يضعون البلاط مرة أخرى ويساوونه جيدا ثم يضعون الجبس على الأطراف فيبدو كما كان بعد تنضيفه.

هذا كذب أين سيرمون التراب الذي يتبقى من الحفر؟
كانوا يضعونه في جوال بالحوش الذي يسمح للمساجين به. فكانوا يستغلون الماء في إذهاب التراب وبعثرته في الحوش ثم فكروا بفكرة جيدة فاستغلوا التراب والماء في الزرع وقد كان.

مازلت غير مقتنع ما في كاميرات؟
الكاميرات: موجودة بالفعل لكن الكاميرات غاية عملها هو كشف محاولات الهروب الاعتيادية عن طريق السور, فلن تكشف الأرض إلا قليلا وكانوا يتفادون ذلك كما سيأتي بالفيديو.

كيف صوروا أنفسهم؟
في المعتقلات يسمح غالبا للقدامى بالموبايلات وإن لم يكن فبإغراء السجان وهذا يعرفه كل من سجن قبل ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــ
هذا لا يثنيكم عن مشاهدة الفيديو ففيه تفصيلات رائعة مرئية ... لن تملوا بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ
فهؤلاء أحق بالفهم والإدراك ... لعنة الله على حدود سايكس بيكو.
والحمد لله في الأولى والآخرة.
http://www.youtube.com/watch?v=2eyIonhVfhA

أيها الديموقراطيون الجدد ... هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟

الحمد لله وبعد:
أيها الديموقراطيون الجدد ... مالكم؟
ــــــــــــــ
ايها الديموقراطيون المذبذبون ... إننا والله لنعيش في نعمة الطمأنينة والإيمان بما نحن عليه من حق .. ولو علمتم ما نحن فيه لقاتلتمونا عليه بالسيوف – ولن تحسنوا - ..
أيها الديموقراطيون: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟  من ذل وخذلان وتفلت وفتن وانسلاخ من الدين؟
هل وجدتم تأويل قوله تعالى: [واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه]؟ هل تنكر قلوبكم المنكر كما كانت من قبل؟
نبشركم: أننا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا .. إنه حلاوة الإيمان نعم وجدنا حلاوة الإيمان بالله وحده والكفر بما يعبد سواه نعم ورب الكعبة ... هل أصفه لكم؟
نعم .. كأنه:  الندى يمر على القلب فيسقيه [فيتشربه القلب] مسرورا .. مزاجه من تسنيم كأنه في قدر من لؤلؤ.
بماذا استبدلتم تلكم الطمأنينة؟
استبدلتم الأدنى بالذي هو خير؟ لا بل استبدلتم الدين بدين ..

أحدثكم عنهم يا إخوان ... إنهم أناس فضحت قلوبَهم جوارحُهم.
إنهم أناس يتقلبون في الذل ليل نهار:
إذا سُب الله .. تأولوا له .. أو كتموا حكمه.
إذا تحاكموا إلى قضائهم الوضعي .. أذلهم الله فيبرأ الكافر والعاهرة, ويدان المظلوم منهم.
إذا أظهر أحدهم حقا .. انفلتوا عنه وقالوا يؤلب علينا الشعب [مصدر السلطات]
قتلاهم أسافل لا قيمة لهم ودمهم  مستباح – عند الناس – وقتلى المشركين شهداء.
إذا صعدوا منابر العلمانيين كانوا في قفص الاتهام أحيانا وفي صف الدفاع أحيانا .. حتى إنهم لما وجدوا من يحسن الدفاع التفوا حوله .. إنه بادرة تعيد بعض الكرامة – في زعمهم – ولكنه لا يزال مدافعا [ديموقراطيا]
إذا صعد شيخهم منبرا للعلمانيين وضعوا أيديهم على قلوبهم ولسان حالهم [يارب سلم سلم], فإذا انتهى قالوا [ليته ما صعد], ثم يضطرون إلى اقتباس جزء من اللقاء لينشرونه ثم يقولون الشيخ فلان قال كذا وكذا.
إذا خالفهم ودعاهم أحدهم إلى الحق طاروا بالفتاوى كل مطار حتى ينالوا تلك الطمأنينة .. ظانين أنهم مدركوها وأقول لا وربي إنها ليست إلا تلبيسا إبليسيا ... إنهم يحسبون الذل بلاء .. ويظنون أن الخذلان صبرا واحتسابا.
وأخيرا: نعم إن مع حلاوة الإيمان بلاء ومرارة غربة لكن مع المرارة عذوبة الثبات .. ولذلك قال أعلم الخلق وأرحمهم: « ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا » أخرجه مسلم.
فإنا نشهد الله ونشهد ملائكته وجميع خلقه أننا رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد – صلى الله عليه وسلم – رسولا. وكافرون بالديموقراطية كبيرها وصغيرها.
فهل أنتم منتهون؟!
ـــــــــــــــــ
والحمد لله في الأولى والآخرة.

الخميس، 27 ديسمبر 2012

مناقشة هادئة لفتوى الشيخ أبي بصير في حق الشيخ أبي المنذر.




مناقشة هادئة لفتوى الشيخ أبي بصير في حق الشيخ أبي المنذر.
الحمد لله وبعد, هذه فتوى تناقلها بعض الإخوة على لسان أو قلم الشيخ أبي بصير في حق الشيخ أبي المنذر الشنقيطي.
والمقصود في مناقشتي هو التعقيب المختصر على الفتوى المنقولة – عقب كل فقرة غالبا - دونما النظر إلى مقام المسئول أو المسئول عنه حتى لا يذهب المقصود أو نعين الشيطان على إخواننا المحبين لأحدهما, ولذلك فإننا ربما نترك بعض الإماءات من الشيخ من باب حسن الظن أو تركا لتأجيج الفتنة بين الإخوة,  فالمقصود هو بيان الحق أينما كان ولسنا نوالي ولا نعادي على أحد والأمر دين والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} فإن كان هذا في القتال فما بالكم بما دونه:
تنبيه هام:
هذا المقال مقصور على ما في مضمون تلك الفتوى بغض النظر عن فتاوى الشيخ أبي بصير الأخرى سواء كانت صحيحة أو باطلة.
وهاكم نصف الفتوى:

بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال: قد كثرت ردود أبي المنذر الشنقيطي عليكم، وعلى كتاباتكم، وقد أحدثت بعض اللغط والشغب بين الشباب، وإلى السّاعة لم نجد لكم رداً عليه ... فماذا تقولون يا شيخ، وجزاكم الله خيراً؟
قلت: [أبو صهيب الحنبلي]: انظروا يرحمكم الله إلى الصيغة التي قدمها السائل بين يدي الشيخ ؟
1- قد كثرت ردود أبي المنذر الشنقيطي عليكم ... [ على ذاته أم كتاباته ؟] لعل الأخ يعني بذلك أنه رد على كتاباته ومواقفه ؟
2- [وعلى كتاباتكم] هلا اكتفيت بالأولى إن كنت تريد أن الشيخ أبا المنذر يرد على كتاباته بالأُولى ؟ أم كان الشيخ أبو المنذر يتعرض لشخص الشيخ أبي بصير فتريد إيصاله له؟ هلا اقتصرت واجتنبت التكرار ؟
3- يقول: [وقد أحدثت بعض اللغط والشغب بين الشباب], بين الشباب هلا قلت بعض الشباب فإن أكثر الإخوة مع اعتذاري لا يعرفون الشيخين ابتداء وهذه حقيقة أذكرها عن قرب بل أنا أظن أن بعض من نقلها قد لا يعرف الشيخ أبا بصير لكن ربما أعجبته الفتوى إذ جاءت على هواه فنقلها لتعرض الشيخ أبي المنذر لكثير من الأحداث مؤخرا, ولا يعني ذلك أن الشيخ أبا بصير ليس مشهورا لكن الكلام في التفخيم والإرهاب اللفظي المصاغ من قبل السائل الذي ظهر أثره على الشيخ كما سيأتي إن شاء الله. ثم ما هو نوع [الشغب واللغط] الذي حكمت عليه أنت أيها السائل ثم ماذا تنتظر من الشيخ أن يقول إذا كنت تفتي في حكم من كثر شغبه ولغطه ؟  هل أنت حاكم مفتي أم سائل هلا اتقيت الله في قولك ؟
4- يقول السائل هداه الله: [وإلى السّاعة لم نجد لكم رداً عليه] أقول: ردا على ماذا ؟ ردا محكما مصحوبا بالدليل يقرر فيه مذهبه ويبطل فيه ما ذهب إليه الشيخ أبو المنذر؟ أم ردا مسقطا لأبي المنذر في أعين الناس؟ ثم ما هذا التأجيج الصارخ على الشيخ أبي المنذر والإيقاع بين الشيخين.؟
5-   وجزاكم الله خيرا.. قلت: وجزاك على ما قدمت.

فأجاب الشيخ:
الجواب: الحمد لله رب العالمين. قد وردني نحو هذا السؤال من أكثر من طرف، وكنا نؤثر الصمت لحكمة نراها،]

قلت: أبو صهيب الحنبلي: هنا يعلل الشيخ سبب سكوته ردا على اللفظة الساخنة المؤججة للقلوب التي ساقها السائل حينما قال: [وإلى السّاعة لم نجد لكم رداً عليه]

يقول الشيخ: [ولانشغالٍ لنا بالثغور الشاميّة المباركة .. يُحيل بيني وبين الالتفات لترهات وخربشات وغلو هذا الرجل .. أما وأنه بلغ منه ما بلغ .. وقد كثر السؤال عنه، وعن خربشاته .. ]

قلت: [أبو صهيب] هل الذي بلغك يا شيخ هو كتب الشيخ أبو المنذر ومقالاته في الرد عليك ؟ أم تعني الذي بلغك من الإخوة عنه ؟ فإن كان الذي بلغك هو كتب ومقالات للرد على فتاويك ومقالاتك فالمرجو أن يكون بالمثل الدليل بالدليل والحجة تقارع الحجة, وإن كان دون ذلك وهو الذي عبرت عنه بقولك: [قد وردني نحو هذا السؤال من أكثر من طرف] فالتثبت رحمكم الله, كما أن المرجو من مثل من هو على مقام الشيخ أبي بصير أن يرد على ما خالفه فيه الشيخ أبو المنذر.
إن قال قائل: الشيخ تثبت وكان هذا ردا على مقالة كتبها الشيخ أبو المنذر تسمى: [التبصير بحقيقة منهج الشيخ أبي بصير].
فالجواب: أن المقالة على شدتها إلا أن الشيخ أبا المنذر كان انتقاده مبنيا على نقولات من كلام الشيخ أبي بصير مبينا مدى مخالفتها, عازيا كلامه إلى مصدره. فكان ينبغي أن يكون الرد بتكذبة هذا أو تبيين مدى سوء الفهم الواقع في مقال الشيخ أبي المنذر.
قال الشيخ أبو بصير:

فأجيب عن السؤال الوارد أعلاه ـ إبراءً للذمة، وتحذيراً للأمة ـ بما يلي:فأقول: هذا الرجل المسمّى ـ أبو المنذر الشنقيطي ـ مجهول الاسم والعين.
قلت: هذه الألفاظ في الردود قد تحتمل ويبقى السؤال هنا .. إذا كان الرجل مجهولا ثم تكلم في الشرع ماذا يبقى؟
1-   ينظر في كلامه من حيث الاستدلال في الجملة على شقين:
a.  فإن كان يستدل بما يستدل بكتاب وسنة وبفهم السلف كان الرد بالمثل مع بيان سوء الفهم أو التنزيل.
b. وإن كان الرجل يتكلم ملقيا الدليل وراء ظهره مؤصلا لتعظيم العقل أو لا يرى استقلال الدليل حاكما أو أنه ليس حجة قائمة فمثل هذا وجب التحذير منه دونما النظر إلى أقواله إلا لحاجة كأن يفتتن الناس فيحذر مع ذكر الرد الشرعي وبيان تكذيبه.
قال الشيخ أبو بصير:.
مما يسمح له أن يركب سرج التشدد والغلو .. والمزايدات .. وأن يسير في المسرب الذي يشاء، فيرفع صوته في الوادي الذي يشاء، وبالطريقة التي يشاء، من غير ضريبة ولا أدنى مساءلة على كلماته ومواقفه ..

قلت: أبو صهيب]: الاتهام بالغلو أو التشدد  وما شابه من تلكم الألفاظ: فيها منزعان:
1- أن التشدد والغلو هو محل النزاع بينكما بل بين التيار بأكلمه ومخالفه فوجب بيانه بالدليل وذلك لابد فيه من شرطين:
a.    الأول: بيان الحكم الشرعي في التهمة المنسوبة.
b.   الثاني: إثباتها في حق المنسوبة إليه.
2- أن هذا الاتهام قد أثبته الشيخ أبو المنذر في حق الشيخ أبي بصير وأنه يتهم أهل الجهاد بالخروج والتشدد بغير بينة كما في مقاله التبصير, فكان ينبغي أن يكون الرد بيان أحد شيئين:
a.    إما تكذيب ما قاله الشيخ أبو المنذر في مقالته.
b. وإما بيان سوء الفهم الحاصل لدى الشيخ أبي المنذر, وثمة ثالث لا يليق بالشيخ أبي بصير.
ولم نجد شيئا من ذلك في كلام الشيخ أبي بصير عفا الله عنه.


يقول الشيخ أبو بصير:
ثم يخيل إليه ولغيره أن ذلك من الشجاعة والصدع بالحق .. والحقيقة ليس شيئاً من ذلك .. فهو أجبن من أن يُعرّف عن نفسه .. ولولا تعريف منبر التوحيد والجهاد بكتاباته لما عرفه أحد من الناس!

قلت: [أبو صهيب] للإنصاف في الحكم مقابلة لتلك العبارات لابد من اعتبار ما يلي:
1- أن الانترنت شبكة عنكبوتية آلياتها المعلوماتية قد تكون مرئية أو صوتية أو مقروءة ولكل صنف أهله ولاشك أن الأكثر تأثيرا هو المقروء لعدة اعتبارات:
a.    أن المكتوب يمكن تناقله بين أعضاء الشبكة.
b.   يمكن النسخ منه.
c.    يمكن اختصاره بسهولة ويسر.
d.   لا يحتاج إلى سرعة اتصال بل يقرؤه ويحمله من عنده أدنى سرعة غالبا.
e.    الأفكار فيها تكون أكثر ترتيبا.
f.  لن يحتاج ذات الوقت الذي يحتاجه عند الرد على مقال أو فتوى بأكملها إذا ما قام بذلك صوتا أو مرئيا.
2- أن الذين يفتون في الشبكة العنكبوتية غاية ما يحتاجونه هو ذكر المادة المراد تقديمها مع مصادرها, فلا يلزم أن يكون معروفا.
3- أن التنقيص من الشبكة وتأثيرها على حياة المجتمع يدل على عدم معرفة بحال الانترنت, وهذا لا يليق بالشيخ. وكم من رجل تاب عن طريق دعاة الانترنت وكم من عرف عن طريق تلك الشبكة حتى صار مشهورا بل ثمة إجازات في القرآن والحديث والكتب بل ثمة من ذهب إلى الجهاد عن طريق الشبكة.
4- أزعم أن أكثر المطلعين على كتب الشيخ أبي بصير لم يعرفوه إلا عن طريق الانترنت. بل يكاد يكون هذا حال أكثر الشيوخ بما فيهم علماء أكابر يقر بهم الشيخ أبو بصير ويعظمهم لا محالة.
5- وصف الشيخ أبي بصير للشيخ أبي المنذر بــ [الجبن] لكونه لم يعرف عن نفسه فهي وصفة [غير منصفة] وذلك لأمور:
a.    أن المطلوب شرعا هو تعليم الناس أمور دينهم والتعريف بالنفس ليس له حاجة لذاته.
b. أنه لا يعقل أن يقوم رجل داع إلى الله فيكتب قائلا أنا فلان الفلاني وعنواني كذا:  أكفر الحاكم الفلاني لأنه لا يحكم بما أنزل الله وإني أحرض على الجهاد في سبيل الله.
c.  أنه كان يسع الشيخ أبو بصير أن يجد له سعة وعذرا فيقول لعله جمع بين الإخلاص والأمن على نفسه وأهله.
d. لو سلمنا أن الشيخ أبا المنذر قد جبن عن التعريف بنفسه – على ما قدمنا من عدم تلازم ذلك يقينا – فجزاه الله خيرا أن فعل ما استطاع وصدق من قال: [لأن أكون ذيلا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل].

قال الشيخ أبو بصير:
فهو من الغلاة الأجلاف .. خارجيٌّ جلد .. الخوارج من قبل كفروا بالكبائر\ .. وهذا يكفِّر بالحسنات .. وبالاجتهاد والاختلاف المستساغين .. فهو من هذا الوجه أسوأ من الخوارج الغلاة الأوائل ... كل كتاباته وخربشاته، وردوده علينا ـ وعلى غيرنا ـ تدلل على ذلك .. ـ كما في مقاله الموسوم بـ التبصير بحقيقة منهج الشيخ أبي بصير، والتوعية ببعض المحاذير في كتاب الجهاد والسياسة الشرعية، وغيرها من المقالات!

قلت: أبو صهيب:
قد ذكرنا قبل ذلك أنه لابد قبل إطلاق الصفات التحقق من شرطين:
1-   الدلالة على جرم التهمة المنسوبة ابتداء وهي متحققة في الخوارج.
2-   ثبوت التهمة على المنسوبة إليه. فالسؤال:
·       أين من كتب الشيخ أبي المنذر ما يجعله مغاليا جلفا أو خارجيا جلدا؟
·       أين كفر الشيخ بالحسنات؟
·       أين كفر بالسائغات؟
·   كيف وقد قلت في مقالك ياشيخ: .. [ثم يقول لك بعد بوائقه هذه كلها: أنا لم أكفرك .. لينفي عن نفسه صفة الخوارج الغلاة ..] أي خارجي هذا الذي يتورع عن التكفير؟ رجل لا يصرح بالتكفير أيصح نسبته إلى ما هو أشد من الغلاة ؟

فائدة: إلى هنا نقول ما بقي من الفتوى إنما هي في ميزان أحد الشيخين وليس فيه إلا تهم تحتاج إلى ثبوت فإثمها سيبوء بها أحدهما وليس لي أن أخوض فيها وفيها أشياء لن يخرج التعقيب فيها عما ذكرته قبل ذلك فنحن يا إخوان أسرى للحق فإن كان الشيخ أبو المنذر كما يقول الشيخ أبو بصير – وهو على خلاف ما علمناه – فليدلنا الشيخ – عفا الله عنه – حتى نتبرأ من أفعاله وفي مقال الشيخ أبي المنذر كان يعزو كل قولة ينسبها للشيخ أبي بصير وذاك المأمول من الشيخ أبي بصير أيضا – بغض النظر – عن صحة أو بطلان المنسوب إلى أحد منهما؟
أقول: لو كان في كتبه ما يقول الشيخ أبو بصير فإني أشهدكم أن الشيخ أبا المنذر خارجي جلد كما قال الشيخ أبو بصير ... لكن هذا حكم شرعي فما المستند؟ أخبرونا يرحمكم الله يا من تتناقلون تلكم الفتوى بغير ورع أو فهم كيف نقابل ربنا؟ أم حسبتم أن ليس له رب يسألكم عنه وعن عرضه ؟ ويا طلبة العلم ويا من تخالفونه هل علمتم عنه أنه خارجي جلد كما يقال؟
أقول لكم شيئا أختم به؟
أنا رجل سلفي نشأتي سلفية وشيوخي كلهم سلفيون وهم ممن انتقدهم أخونا الشيخ أبو المنذر لكني لم أجد في نقده – من حيث أصل المسألة وحكمها - إلا ما نعرفه من منهج السلف الذي اعتقدناه مذ عرفنا للعلم طريقا من معنى التوحيد ومعنى الشرك ومعنى الولاء والبراء ومعنى الديموقراطية ومدى مناقضتها للتوحيد ومعنى الجهاد وأنواعه. وهذا الذي نكتبه حتى في مجال عملنا ومصنفاتنا  من حيث التنظير.
وهذا على شدة فيه قد يوافقه عليها أحدهم أو يخالفه غيره فيها فهذا أمر خاص بالسلوكيات لا العقائد.
كما أن هذا لا يعني أني قرأت كتبه جمعا وبالتالي إقراري لا يصح إلا فيما قرأت وما قد يصح أن يخالفه مثلي فيه فإنما مما يدخل تحت الاستسلام لأوامر الله ونواهيه.
وعلى هذا نقول لابد من القسط في كل شيء وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]
قول شيخ الإسلام في الإيمان الكبير ضمن مجموع الفتاوى (7/ 36)
[
ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد. فإن كثيرا من الناس يتأول النصوص المخالفة لقوله, يسلك مسلك من يجعل التأويل كأنه ذكر ما يحتمله اللفظ, وقصده به دفع ذلك المحتج عليه بذلك النص وهذا خطأ]اهــ
فالذي ينبغي أن نجعله حكما على الشيخ أبي المنذر هو كتبه ومقالاته وهاكم رابط مقالاته
http://www.tawhed.ws/a?a=shanqeet


وختم الشيخ أبو بصير قائلا:

وليعلم الجميع أنني ما كتبت هذه الكلمات انتقاماً للنفس ـ ولو كان الأمر كذلك لكتبتها منذ زمن بعيد ـ ولكن كتبتها .. اشفاقاً وتحذيراً للناس ـ وبخاصة منهم شباب الإسلام ـ من خربشات وفتنة، وغلو، وظلم هذا الرجل .. والله المستعان. عبد المنعم مصطفى حليمة
"
أبو بصير الطرطوسي "
28/12/1433
هـ. 13/11/2012 م

قلت: أبو صهيب: هذا هو المرجو من الشيخ وكنا نرجو أن يكون مذيلا بكلام المصنف معزوا إلى كتبه ومقالاته. ونسأل الله أن يعفو عنكم وأن يثبتنا وإياكم على الحق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والحمد لله في الأولى والآخرة.
أبو صهيب الحنبلي.


الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

مختصر قواعد كتابة الهمزات [درس قصير]

مختصر قواعد كتابة الهمزات [درس قصير]

الحمد لله , والصلاة والسلام على محمد , وآله وصحبه وسلم .
من المشين أن يكتب الباحث بحثه وتكثر فيه الأخطاء الإملائية , وإن كان هذا لا يعصم منه أحد لكن إذا كثر الخطأ يظن الظان جهل الباحث , وربما يكون البحث ماتعاً مفيداً , إلا أن الأخطاء الإملائية تشين البحث في نظر القراء – وإن كنت لا أستبعد وجود ذلك في مكتوبي هذا على قصره , وهي مبعثة لجلب ألسنة المتحذلقين , وغير المنصفين ولقد قرأت ورأيت من يكثر النقد ويستغل ضعف كثير من الإخوان في الإملاء بل ويبطل ما معهم من حق حتى قال بعضهم ما حاصله: [ لا يحسن أن يكتب جملة واحدة صحيحة ومع ذلك يتكلم في الكفر والإيمان], وفضل علم الكتابة يكاد يناطح فضل القراءة , والله أعلم .
فنقول:

كتابة الهمزة :

الهمزة : وتسمي الألف اليابسة , وهي حرف مخصوص يقبل الحركة بخلاف الألف اللينة فهو لا يقبل الحركة .
والهمزة إما ابتدائية ( أول الكلمة ) , أو متوسطة , أو متطرفة ( أخر الكلمة ) .

الهمزة الابتدائية :
وهي إما همزة وصل أو قطع :
الوصل هي التي تنطق ولا تكتب فتنطق حين الوصل وتهمل حين الوقف إلا إذا ابتدأ بها القارئ . وسميت بالوصل لأنه يتوصل بها إلى النطق بالساكن .
مواضعها :
في الأسماء : العشرة وهي : اسم واست وابن وابنة وابنم وامرؤ وامرأة , ( ويدخل فيها مثناها مثل : اسمان , وابنان , ابنتان , وامرأتان , واستان , وامرآن , وابنمان ) واثنان واثنتان وايمُن ( وأيضاً وايم ) وكلاهما للقسم .
تنبيه : كلمتان هما ابنم - وتعنى ابن - وامرؤ , الحرف قبل الأخير فيهما هو المعرب بمعنى أن الحرف قبل الأخير هو الذي يتأثر بالعامل فتقول : رأيت ابنَما بفتح النون والميم تابعة له تجري مجراه , كما تقول وهو ابنُمٌ , وتقول إلى ابنِمٍ , وكذلك في كلمة امرؤ تقول هو امرؤُ ورأيت امرأً وتقول في امرِئٍ . ولا ثالث لهما في اللغة .
وفي ال : بجميع أنواعها : الشجر , الجمل , الكتاب , السماء .
أما موضعها في الأفعال :
فتكون في أمر الثلاثي: اكتب , افهم . اقرأ
وأمر الخماسي: انطِلقْ , وماضيه : انطلَقَ , ومصدره : انطلاقاً
وأمر السداسي: استخرِجْ , وماضيه : استخرَجَ , ومصدره : استخراجاً .
وهمزة القطع هي التي تنطق وتكتب وقفاً ووصلاً , وهي قسيم الوصل .
مواضعها : في كل ما سوى مواضع الوصل .
وتكتب الهمزة على الألف إذا كانت الهمزة مضمومة نحو : أُكْرم , وإذا كانت مفتوحة نحو : أَحمد , أَمَرَ , وتكتب أسفل الألف إذا كانت مكسورة نحو : إيمان . إسلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

الهمزة المتوسطة :

هي همزة في وسط الكلمة تكتب بمقارنة حركتها بحركة الحرف الذي قبلها فأيهما أقوى كتبت على حركة تناسب تلك الحركة الأقوى .
ملاحظة : ترتيب الحركات من حيث الأقوى :
الكسر ثم الضم ثم الفتح ثم السكون . فأينما كانت الحركة التي على الهمزة يقدم الكسر فإن لم يكن فحركة الضم فإن لم يكن فالفتح .
ملاحظة:
إذا كانت الحركة الأقوى هي الكسرة تكتب الهمزة على نبرة نحو : عائد , عائذ فئة .
إذا كانت الحركة الاقوى هي الضمة تكتب على حرف الواو نحو : مؤمن , مُؤنه .
إذا كانت الحركة الأقوى هي الفتحة تكتب حينها على ألف نحو : ينأى , مأتم .
السكون أضعفهم ولا يقدم على شئ فإذا كان الحرف الذي قبل الهمز ساكناً مثل كلمة ( سيئت ) فإنها تكتب على حسب حركة الهمزة وحركتها هنا هي الفتحة وكتبت على نبرة لأنها مفتوحة جاءت بعد ياء ساكنة وهي من الحالات الشاذة كما سيأتي ( بإذن الله ) .



الحالات الشاذة وهي التي لا تخضع لها القاعدة السابقة المتعلقة بالهمزة المتوسطة :
إذا كانت مفتوحة قبلها ألف ساكنة أو واو ساكنة تكتب الهمزة على السطر نحو : عباءة , قراءة , ونحو : سموءل , مروءة .
إذا كانت مفتوحة أو مضمومة قبلها ياء ساكنة كتبت على نبرة نحو : ميئوس ونحو : هيئة , ييئس .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهمزة المتطرفة ( أخر الكلمة ) :


وهي التي تكتب أخر الكلمة ولها حالتان :
الأولى : أن تأتي مفردة وفي هذه الحالة إما أن يكون ما قبلها ساكن نحو : جزْء , وبُرْء , وجاء , وشاء ؛ فتكتب على السطر (مفردة) .
وإما أن يكون قبلها (واو) مشددة مضمومة نحو : التبوُّء .
الثانية : أن تكتب على حرف من جنس الحرف الذي قبلها ؛ وهي على النحو التالي : فإن كان ما قبلها مفتوحاً كتبت على ألف , وإن كان ما قبلها مكسوراً كتبت على ياء , وإن كان ما قبلها مضموماً كتبت على واو : وهذه الحالة تكون إذا ما كان قبلها حرف متحرك – غير الواو المشددة المضمومة - مثل : سيئ , فالهمزة هنا كتبت على حرف ياء وما قبلها مكسور . وكـ يبرأ , فهنا الهمزة كتبت على حرف الألف لأن الذي قبلها مفتوح , وكـ امرؤ , فالهمزة هنا كتبت على واو لأن الحرف الذي قبلها مضموم ( ولم تكن الواو مشددة ) .

تنبيه :
للاستفادة : يرى الرجوع في هذا الباب إلى :
جامع الدروس العربية ( مصطفي الغلاييني )
وهناك رسالة لطيفة في قواعد الإملاء ( لابن عثيمين )
قاموس الإملاء – وهو بحث رائع – (لمسعد بن محمد بن زياد )
آثرت ذكر هذه المراجع لجمعها لمنثور المتقدمين ولتقريبهم وكسرهم شوكة هذا العلم , (رحمة الله عليهم) , وإلا فهذا العلم منثور في كتب من تقدمهم .
هذا جمع لا أكثر ولم أجدَّ فيه . وإنما الغرض الاختصار والتسهيل .
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[كتبته قديما خلا بعض حروفه] 
جمع وترتيب.
أبو صهيب الحنبلي

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

لا ثيوقراطية في الإسلام: [مقال كتبته قبل خلع الطاغوت بأيام]


الحمد لله وبعد :
فهذه وريقات كنت قد جمعت [معلوماتها] قبل رحيل الطاغوت السابق – اعتباريا - عن الحكم  فيها جمع لبعض ما ورد في الإنكار على الحكام – حتى ولو كان مسلما مستسلما لأوامر الله في الحكم - وعده المخالفون من الخروج على الحاكم . وهو جمع لبعض الأدلة ومن دون ترتيب. فقد جمعته على عجل. ونسأل الله القبول .
ذكر بعض القواعد المهمة :
عند فهم النصوص لابد من مراعاة التالي:
المسألة الأولى : أن المنهج الذي نرتضيه اعتماد فهم السلف لكلام الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهذا طبعا مقيد بأمور :
الأول : أن الفهم المعتمد إجماعهم وإن لم يكن فجمهورهم .
الثاني : الخلاف بينهم مسوغ ولا يعني الاقتصار عليه والكف عن طلب الحق. مثل رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – لله تعالى- كما ذكره شيخ الإسلام .
الثالث : أن القرون الخيرية هي القرون الثلاث الأول .

المسألة الثانية : وجوب رد المتشابه إلى المحكم وهذه القاعدة هي التي نجا بها أهل السنة, والمحكم ما احتمل معنى واحدا, والمشكل ما احتمل أكثر من معنى, فلا يقيد إلا بدليل أو قرينة ظاهرة, ولذلك كان المعتمد فهم السلف .
المسألة الثالثة : أن الألفاظ أنواع منها الوضعي والعرفي والشرعي ومجاز مطلق على قول من قال بالمجاز في اللغة , فإن كان فالأصل استخدام المعنى الشرعي إلا بقرينة ظاهرة أو سياق أو دليل من الخارج (من نص آخر ) , وأضرب مثالا : كالصلاة : فهي في اللغة الدعاء , وفي الاصطلاح : هي أقوال مخصوصة وأفعال مخصوصة على وجه مخصوص تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. فإذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – صل فإنك لم تصل كما في الصحيح فيقال أي الصلاة المعروفة , وإذا قال ((من دعي إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل. كما عند مسلم, فهذه قرينة على أن المعنى هو الدعاء , فليس السياق محل صلاة (المعروفة) بل هو مقامه الدعاء .

فلو طبقنا هذه القواعد المتفق عليها جملة :
سنقف – بإذن الله - على جمع لهذه النصوص الشريفة : وهي أن الخروج ((المذموم )) على الحاكم هو ما كان من جنس المنابذة والمقاتلة للحاكم ((الشرعي)) .
فالشرط الأول أن يكون حاكما شرعيا مقيما للصلاة أي مصليا داعيا إليها .
وقد نقل الإجماع على هذا القاضي عياض – رحمه الله - :
قالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا ، قَالَ : وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة ، قَالَ : وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : تَنْعَقِد لَهُ ، وَتُسْتَدَام لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل ، قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة ، وَسَقَطَتْ طَاعَته ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر ))([1])
.
قال أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.))([2])
قلت : إذا طرأ عليه بدعة أو فسق لا يكون ذلك مسوغا للخروج عليه إنما فقط الإنكار . وهذا ما فعله أحمد مع المأمون لأنه متأول ولكون بقائه الحاكم المسلم أقل ضررا من عزله غالبا ( لحصول المقاتلة غالبا ) .
ولذلك قال النووي بعدها : وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم وَتَعْطِيل الْحُقُوق ، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع ،)([3])

الأمر الثاني : أن يكون الخروج بالسيف :
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .))([4])
لأن القتال مصيره إراقة دماء المسلمين وعموم الفساد وغلبته على أي مصلحة مرجوة إذا كان الحاكم مسلما حاكما بشرع الله في الجملة وإن كان ظالما.
نعم هذا حق فإن الخروج على الحاكم المسلم وإن كان ظالما مفسدة عظيمة, ولعلكم تجدون ذلك في قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَام جُنَّة يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ). كما في صحيح مسلم .
يقول النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَام جُنَّة ) أَيْ : كَالسِّتْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَدُوّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيَمْنَع النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ، وَيَحْمِي بَيْضَة الْإِسْلَام ، وَيَتَّقِيه النَّاس وَيَخَافُونَ سَطْوَته ، وَمَعْنَى يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ أَيْ : يُقَاتَل مَعَهُ الْكُفَّار وَالْبُغَاة وَالْخَوَارِج وَسَائِر أَهْل الْفَسَاد وَالظُّلْم مُطْلَقًا ، وَالتَّاء فِي ( يُتَّقَى ) مُبْدَلَة مِنْ الْوَاو لِأَنَّ أَصْلهَا مِنْ الْوِقَايَة .([5]).
وقال ابن عبد البر : والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح))([6])
فهذا هو الإمام الذي يعرفه السلف .
ولذلك قال النبي  - صلى الله عليه وسلم  - ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَة لَقِيَ اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَام لَا حُجَّة لَهُ ), لأن فاعل هذا كما قال صلى الله عليه وسلم ( يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ ), ولذلك بايع الصحابة على السمع والطاعة (فَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَعُبَادَةَ ( بَايَعْنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله ), وقال : ( وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّة ).
ــــــــــــــــــــ
ولكن هل تكون الطاعة في كل شيء ؟
تعرفه بما جاء عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، قال : فلما خرجوا - قال - : وجد عليهم في شيء ، قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قال : قالوا : بلى ، قال : فقال : اجمعوا حطبا ، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها ، قال : فهم القوم أن يدخلوها ، قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا ، قال : فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه ، فقال لهم : لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف.)) "البخاري"
قال ابن رجب الحنبلي : وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : (( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف )) .([7])
وفي " المسند " عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ
إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟
فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا طاعة لمن لم يُطع الله - عز وجل -))([8])
ــــــــــــــ
وهل إنكار المنكر يقتصر على غير الحكام ؟
قال النووي – رحمه الله - :
((ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين))([9])
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ))([10])


وفي الحديث (( فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، والنفقة ، في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله ، لا تخافون في الله لومة) ([11])

قال النووي :
((قَوْله : ( وَعَلَى أَنْ نَقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم )
مَعْنَاهُ : نَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ زَمَان وَمَكَان ، الْكِبَار وَالصِّغَار ، لَا نُدَاهِن فِيهِ أَحَدًا ، وَلَا نَخَافهُ هُوَ ، وَلَا نَلْتَفِت إِلَى الْأَئِمَّة ، فَفِيهِ : الْقِيَام بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ عَلَى غَيْره ، سَقَطَ الْإِنْكَار بِيَدِهِ وَلِسَانه ، وَوَجَبَتْ كَرَاهَته بِقَلْبِهِ ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير ، وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَار مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَة وَغَيْرهَا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَبَسَطْته بَسْطًا شَافِيًا ([12]).

وقال عمير وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به عن النبي
 قال خضير فقلت لعبادة أفرأيت إن أنا أطعته قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجيء هذا فينقذك ([13])
وقال محمد بن جرير الطبري :
((فإن ظن ظان أن فى قوله  - صلى الله عليه وسلم -  فى حديث أنس:  « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى »  وفى قوله فى حديث ابن عباس:  « من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر »  حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا فى معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف.([14])
 ـــــــــــ
- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ، قَالُوا : أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا . مَا صَلَّوْا ) ([15])
قال النووي :
هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا : ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَظَاهِرَة ، وَمَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته ، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ ، وَلْيَبْرَأْ .
وَأَمَّا مَنْ رَوَى ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَمَعْنَاهُ - وَاَللَّه أَعْلَم - فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) مَعْنَاهُ : لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ .
وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت . بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ ([16]).
قلت : وهذا كلام النووي الذي يحذفه مردة الإرجاء العصري من كلام النووي – رحمه الله – ولا يأتون إلا بهذا المقطع,
قال النووي :
وَأَمَّا قَوْله : ( أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، مَا صَلَّوْا ) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ([17]).
 وهذا دليل عليهم وليس لهم لأنه فرق هنا بين الخروج المذموم والإنكار على الحاكم. وهو حق فإنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم .
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل الفقيه أبو سعيد الخدري فأنكر على مروان بن الحكم وكان خليفة للمسلمين وأراد أن يخطب في الناس قبل أن يصلي يوم العيد . فأمسكه من تلابيب جلبابه وجذبه إلى المصلاة ثم روى حديث (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... )) وسيأتي قريبا بإذن الله .
- ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ، قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ، فقال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة. ([18])

-  ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال :  اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه . ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به. ))([19])

وأصرح من ذلك قوله : ((صلى الله عليه وسلم )) (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ,
 وفي رواية الحاكم (( حمزة سيدة الشهداء ورجل قام إلى إمامه فأمره ونهاه فقتله )) وهذا واضح جدا كما ذكرته آنفا .
قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر))([20])


-  ثم ماذا نفعل مع هذه الأحاديث ولماذا الحاكم لا يحل لنا أن نأمره وننهاه ؟ ففي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي

ثم يقال : ماذا نفعل في مثل قوله :
ــــــــــــــــــــــ
قلت : وإليكم بعض الآثار عن سلفنا الصالح :
فها هو أبو بكر الصديق ثاني اثنين (رضي الله عنه ) : لما تولى (( حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة ))
وصحح إسناده ابن كثير . وهو من الشهرة بمكان .([21])
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبدا لله؟، قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان، فقال لا تعجل، يا عبدا لله، يا عبدالله، فلم يجبه أحد، فقال يا عبدالله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين , فقال: نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك، قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع) ([22])
وعمر هو عمر فلا يعرف أحد أفضل منه بعد أبي بكر – رضي الله عنهما – .
ولما قال عمر رضي الله عنه في مهور النساء وردَّته المرأة بقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:20) ، فرجع عن قوله وقال : ( أصابتِ امرأةٌ ورجلٌ أخطأ )([23])

وكذلك خروج عائشة أم المؤمنين , والزبير حواري رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومعهم ألوف مؤلفة, إلى البصرة مطالبين عاليا بدم عثمان (رضي الله عنهما ), ولم يكن معهم سيف ولا أرادوا القتال ولم يقل علي لهم إن هذا خروج على الحاكم أو أن هذا بدعة لا تجوز .
قال صاحب المختصر في تاريخ البشر :
وقد عنون لها فقال  (( مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ))
((ولما بلغ عائشة قتل عثمان، أعظمت ذلك، ودعت إِلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر، وجماعة من بني أمية، وجمعوا جمعاً عظيماً، واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة ))([24])
وهؤلاء الذين خرجوا مطالبين بدم عثمان – رضي الله عنهم – أكابر, وكلا الطرفين دعواهما حق وإحداهما أحق من الأخرى كما جاء في النص :
( لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ) وهو في الصحيحين .
وفي رواية أخرى : تلتقي من أمتي فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينا هم كذلك إذ مرقت بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق )) فسماها أولى الطائفتين بالحق يعني كلاهما على الحق وإحداهما أحق من الأخرى, وهي طائفة علي – رضي الله عنهم جميعا - . ولما خرج هؤلاء الأكابر من الصحابة – رضي الله عنهم – هل قال علي – رضي الله عنه – لهم إن هذه بدعة ؟ أو إن هذا خروج على الحاكم ؟
قال الحافظ ابن حجر : ((فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه ))([25]) ـــــــــ
وفي صحيح مسلم أن عنبسة بن أبي سفيان - وكان والياً لمعاوية رضي الله عنه على الطائف - لما أراد أن يأخذ أرضاً لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تهيأ لقتاله وأمر غلمانه بأخذ أسلحتهم وقال: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد)([26])
(قال أبو محمد رحمه الله - أي ابن حزم -؛ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين إذ أمره بقبض الوهط، ورأى عبد الله بن عمرو أن أخذه واجب، وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم ))([27])
ومن ذلك أيضا : ما جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: وَجَدْنَاهُ خَيْرَ أَمِيرٍ، مَا مَاتَ لِرَجُلٍ مِنَّا عَبْدٌ إِلا أَعْطَاهُ عَبْدًا، وَلا بَعِيرٌ إِلا أَعْطَاهُ بَعِيرًا وَلا فَرَسٌ إِلا أَعْطَاهُ فَرَسًا، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي قَتْلَهُ أَخِي أَنْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ .... ثم تلت حديث (( من ولي من أمر أمتي شيئا ... ))وهو في الصحيحين بلفظه .([28])
قال النووي :
هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى
[شرح النووي على مسلم 12/ 213]

 وأنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم على مرمى ومسمع من الناس, ففي صحيح مسلم : عن أبى سعيد ، قال : أخرج مروان المنبر يوم العيد ، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة. فقام رجل ، فقال : يا مروان ، خالفت السنة ، أخرجت المنبر يوم عيد ولم يك يخرج به ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، ولم يكن يبدأ بها ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان.
 )) .([29]).
, ولعله يدخل في هذا : ما حدث لأبي حنيفة ومالك من مخالفتهم أمر الحاكم في تولي القضاء حتى ضربوا ولم يستجيبوا , وما ثبت عن أحمد من مخالفته في المجاهرة بالحق مخالفة للحاكم, ولما اجتمع الناس خوفا على الإمام أحمد. خرج المأمون عليهم وقال لهم ما مضمونه إنه بعافية ولم يمسه . بل لما حبس المزي بغير حق, ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى السجن فأخرجه, وكان يهابه السلطان والأمراء, وكان العز بن عبد السلام ينكر على السلاطين حتى قال لأحدهم (( أو أنت ممن قال : إنا وجدنا آبائنا على أمة ))؟؟ ذكرها الذهبي في السير فيما أذكر .

قال الغزالي :
((واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة كما روي أن مروان بن الحكم )([30])

وقد ذكر الغزالي في هذا الباب آثارا في حسبة العلماء على الولاة وإنكارهم عليهم


ـــــــــــ
وقد يقال لماذا لم يكن الإنكار على الخلفاء بقدر إنكارهم على غيرهم ؟:
يجيب على ذلك ابن عبد البر – رحمه الله - :
قال أبو عمر إنما فر من فر من الأمراء لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم ولا يغير عليهم ولا يسلم من متابعتهم, وقد كان الفضيل بن عياض يشدد في هذا فيقول ربما دخل العالم على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه منه شيء قالوا كيف ذلك قال يمدحه في وجهه ويصدقه في كذبه وذكر احمد بن حنبل عن ابن المبارك قال لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم قال وأنا أخاف ألا أصدقهم ([31])

ــــــــــــــ
ثم يقال : فكيف العمل وما الجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبين طاعة ولي الأمر وبين نصيحة الإمام سرا ؟
نقول :
نبين ذلك في مسائل :
المسألة الأولى معرفة الخروج المذموم : وهو فيما يلي :

-  ما كان للمقاتلة والمنابزة والمنازعة ولشق عصا المسلمين ولتفريقهم كما جاء في النصوص السابقة, أو من ألب الناس على مقاتلة الحاكم المسلم كما كان يفعل القعدية من الخوارج .
-  وأن يكون الحاكم مسلما مقيما للدين داعيا إلى الصلاة كما في السنة وذكرنا كلام أهل العلم فيه ابن عبد البر والنووي وكذلك كلام علي رضي الله عنه .

المسألة الثانية :
إن حال الحاكم على ثلاث :

-      كافر : وجب الخروج عليه عند القدرة .
-  ظالم  : يطاع في المعروف ولا يجوز الخروج عليه إنما الموعظة والتخويف بالأحاديث الواردة كما قال ذكر أهل العلم استدلالا بالنصوص  .
-      عادل : لا يجوز الخروج عليه ووجبت طاعته والدعاء له سنة عند السلف .

المسألة الثالثة :
حال أمر الحاكم المسلم :

·       مما أمر الله : وهذا وجب الائتمار به طاعة لله ثم للحاكم فطاعة الحاكم من طاعة الله.
·       مما سكت عنه الشارع : فهذا يجب طاعة الحاكم المسلم فيه .
·       مما خالف الله ورسوله : فهذا لا يجوز طاعته فيه .

المسألة الرابعة :

·       يجمع بين كلام السلف بوجهين :
·   أنه إذا كانت المعصية أو المخالفة من الحاكم أمام الناس فإنما ينكر عليه أمام الناس قدر الإمكان . ولذلك أنكر أبو سعيد الخدري على مروان أمام الناس .
·   وإن كانت في الولاية ولم يدر بها أكثر الناس ففي الخفاء, ولهذا أنكر أسامة على عثمان سرا . كما تقدم . وعليه يحمل حديث ( من بدا له نصيحة لسلطانه فلا يبدها له علانية )) وهو عند أحمد وابن أبي عاصم, على فرض ضحته  وقد صححه الشيخ الألباني, وكذلك نصيحة ابن عباس كما جاء عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أمُرُ إمامي بالمعروف ؟
فقال ابن عباس : " إن خشيت أن يقتلك فلا ، فإن كنت فاعلا هذا ففيما بينك وبينه ولا تغتب إمامك "
·       وهناك فائدة أخرى أفادها النووي : إن كان الخليفة يرجع بالنصح فإنه ينصح سرا .
وهنا لطيفة : وهي الفرق بين الإنكار والنصيحة : فالنصيحة أشمل والإنكار أخص ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما الدين النصيحة : قلنا لمن يا رسول الله : قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
لكن الإنكار فيشترط فيه شروط :
العلم بالمنكر .
القدرة على الإنكار على قول أكثر السلف .
أي أن يكون باليد فإن لم يكن فباللسان فإن لم يستطع فبالقلب .
الثالث : ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه .

وما سبق إنما هو جمع للأحاديث وإلا لعطلنا العمل بكثير من الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام ومن بعدهم – رضي الله عنهم جميعا – والقاعدة الأصولية المشهورة تقول : إعمال النص أولى من إهماله . ولذلك لما كبر على المعتزلة والمتكلمة الجمع بين الأحاديث قالوا بعدم العمل بحديث الآحاد في العقائد,
والخلاصة : إن الإنكار على الحاكم – ولو كان مستسلما لأوامر الله حاكما بما أنزل - ليس من جنس الخروج عليه .
ــــــــــــــــــــ
وإن كان البحث يحتاج إلى ترتيب فعذري أني أسرعت في ترتيبه وتجميعه, وهو رد قديم هذبته . ونسأل الله تعالى القبول .
والحمد لله في الأولى والآخرة .
ــــــــــــ





([1] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([2] ) [شرح ابن بطال 15/ 229، بترقيم الشاملة آليا]

([3] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([4] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314],
([5] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 315]
([6] )  [التمهيد 23/ 279]

([7] ) [جامع العلوم والحكم 28/ 16]
([8] ) مسند الإمام أحمد 3/213 ، قال الشيخ ماهر الفحل إسناده لا بأس به إن شاء الله
([9] ) [شرح النووي على مسلم 12/ 229]
([10] ) [الاستذكار 5/ 15]
([11] ) أخرجه "مسلم" 6/16(4796)

([12] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 313]
([13] ) [التمهيد 23/ 277]
([14] ) [شرح ابن بطال 15/ 228، بترقيم الشاملة آليا]

([15] ) أخرجه مسلم (3/1480 ، رقم 1854)
([16] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]

([17] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]
([18] ) رواه البخاري (4832).
5/203(4340), و"مسلم" 6/15(4793)
([19] ) أخرجه "مسلم"(6/7)
([20] ) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 23/ 34، بترقيم الشاملة آليا]
([21] ) [جامع الأحاديث 25/ 211]
([22] ) أعلام الموقعين (2/ 180)
([23] ) [الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي [ص: 2]
([24] ) [المختصر في أخبار البشر 1/ 119، بترقيم الشاملة آليا],
([25] ) [فتح الباري - 6/ 616]
([26] ) [وروى البخاري المرفوع منه].
([27] ) ).المحلى ((10/835))
([28] ) [مستخرج أبي عوانة - 8/ 159]
([29] ) أخرجه "مسلم" 1/50(86)
([30] ) [إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي 3/ 322:321]
([31] ) [التمهيد 21/ 286]




الحمد لله وبعد :
فهذه وريقات كنت قد جمعت [معلوماتها] قبل رحيل الطاغوت السابق – اعتباريا - عن الحكم  فيها جمع لبعض ما ورد في الإنكار على الحكام – حتى ولو كان مسلما مستسلما لأوامر الله في الحكم - وعده المخالفون من الخروج على الحاكم . وهو جمع لبعض الأدلة ومن دون ترتيب. فقد جمعته على عجل. ونسأل الله القبول .
ذكر بعض القواعد المهمة :
عند فهم النصوص لابد من مراعاة التالي:
المسألة الأولى : أن المنهج الذي نرتضيه اعتماد فهم السلف لكلام الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهذا طبعا مقيد بأمور :
الأول : أن الفهم المعتمد إجماعهم وإن لم يكن فجمهورهم .
الثاني : الخلاف بينهم مسوغ ولا يعني الاقتصار عليه والكف عن طلب الحق. مثل رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – لله تعالى- كما ذكره شيخ الإسلام .
الثالث : أن القرون الخيرية هي القرون الثلاث الأول .

المسألة الثانية : وجوب رد المتشابه إلى المحكم وهذه القاعدة هي التي نجا بها أهل السنة, والمحكم ما احتمل معنى واحدا, والمشكل ما احتمل أكثر من معنى, فلا يقيد إلا بدليل أو قرينة ظاهرة, ولذلك كان المعتمد فهم السلف .
المسألة الثالثة : أن الألفاظ أنواع منها الوضعي والعرفي والشرعي ومجاز مطلق على قول من قال بالمجاز في اللغة , فإن كان فالأصل استخدام المعنى الشرعي إلا بقرينة ظاهرة أو سياق أو دليل من الخارج (من نص آخر ) , وأضرب مثالا : كالصلاة : فهي في اللغة الدعاء , وفي الاصطلاح : هي أقوال مخصوصة وأفعال مخصوصة على وجه مخصوص تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. فإذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – صل فإنك لم تصل كما في الصحيح فيقال أي الصلاة المعروفة , وإذا قال ((من دعي إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل. كما عند مسلم, فهذه قرينة على أن المعنى هو الدعاء , فليس السياق محل صلاة (المعروفة) بل هو مقامه الدعاء .

فلو طبقنا هذه القواعد المتفق عليها جملة :
سنقف – بإذن الله - على جمع لهذه النصوص الشريفة : وهي أن الخروج ((المذموم )) على الحاكم هو ما كان من جنس المنابذة والمقاتلة للحاكم ((الشرعي)) .
فالشرط الأول أن يكون حاكما شرعيا مقيما للصلاة أي مصليا داعيا إليها .
وقد نقل الإجماع على هذا القاضي عياض – رحمه الله - :
قالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا ، قَالَ : وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة ، قَالَ : وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : تَنْعَقِد لَهُ ، وَتُسْتَدَام لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل ، قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة ، وَسَقَطَتْ طَاعَته ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر ))([1])
.
قال أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.))([2])
قلت : إذا طرأ عليه بدعة أو فسق لا يكون ذلك مسوغا للخروج عليه إنما فقط الإنكار . وهذا ما فعله أحمد مع المأمون لأنه متأول ولكون بقائه الحاكم المسلم أقل ضررا من عزله غالبا ( لحصول المقاتلة غالبا ) .
ولذلك قال النووي بعدها : وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم وَتَعْطِيل الْحُقُوق ، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع ،)([3])

الأمر الثاني : أن يكون الخروج بالسيف :
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .))([4])
لأن القتال مصيره إراقة دماء المسلمين وعموم الفساد وغلبته على أي مصلحة مرجوة إذا كان الحاكم مسلما حاكما بشرع الله في الجملة وإن كان ظالما.
نعم هذا حق فإن الخروج على الحاكم المسلم وإن كان ظالما مفسدة عظيمة, ولعلكم تجدون ذلك في قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَام جُنَّة يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ). كما في صحيح مسلم .
يقول النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَام جُنَّة ) أَيْ : كَالسِّتْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَدُوّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيَمْنَع النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ، وَيَحْمِي بَيْضَة الْإِسْلَام ، وَيَتَّقِيه النَّاس وَيَخَافُونَ سَطْوَته ، وَمَعْنَى يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ أَيْ : يُقَاتَل مَعَهُ الْكُفَّار وَالْبُغَاة وَالْخَوَارِج وَسَائِر أَهْل الْفَسَاد وَالظُّلْم مُطْلَقًا ، وَالتَّاء فِي ( يُتَّقَى ) مُبْدَلَة مِنْ الْوَاو لِأَنَّ أَصْلهَا مِنْ الْوِقَايَة .([5]).
وقال ابن عبد البر : والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح))([6])
فهذا هو الإمام الذي يعرفه السلف .
ولذلك قال النبي  - صلى الله عليه وسلم  - ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَة لَقِيَ اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَام لَا حُجَّة لَهُ ), لأن فاعل هذا كما قال صلى الله عليه وسلم ( يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ ), ولذلك بايع الصحابة على السمع والطاعة (فَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَعُبَادَةَ ( بَايَعْنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله ), وقال : ( وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّة ).
ــــــــــــــــــــ
ولكن هل تكون الطاعة في كل شيء ؟
تعرفه بما جاء عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، قال : فلما خرجوا - قال - : وجد عليهم في شيء ، قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قال : قالوا : بلى ، قال : فقال : اجمعوا حطبا ، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها ، قال : فهم القوم أن يدخلوها ، قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا ، قال : فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه ، فقال لهم : لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف.)) "البخاري"
قال ابن رجب الحنبلي : وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : (( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف )) .([7])
وفي " المسند " عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ
إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟
فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا طاعة لمن لم يُطع الله - عز وجل -))([8])
ــــــــــــــ
وهل إنكار المنكر يقتصر على غير الحكام ؟
قال النووي – رحمه الله - :
((ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين))([9])
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ))([10])


وفي الحديث (( فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، والنفقة ، في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله ، لا تخافون في الله لومة) ([11])

قال النووي :
((قَوْله : ( وَعَلَى أَنْ نَقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم )
مَعْنَاهُ : نَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ زَمَان وَمَكَان ، الْكِبَار وَالصِّغَار ، لَا نُدَاهِن فِيهِ أَحَدًا ، وَلَا نَخَافهُ هُوَ ، وَلَا نَلْتَفِت إِلَى الْأَئِمَّة ، فَفِيهِ : الْقِيَام بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ عَلَى غَيْره ، سَقَطَ الْإِنْكَار بِيَدِهِ وَلِسَانه ، وَوَجَبَتْ كَرَاهَته بِقَلْبِهِ ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير ، وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَار مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَة وَغَيْرهَا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَبَسَطْته بَسْطًا شَافِيًا ([12]).

وقال عمير وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به عن النبي
 قال خضير فقلت لعبادة أفرأيت إن أنا أطعته قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجيء هذا فينقذك ([13])
وقال محمد بن جرير الطبري :
((فإن ظن ظان أن فى قوله  - صلى الله عليه وسلم -  فى حديث أنس:  « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى »  وفى قوله فى حديث ابن عباس:  « من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر »  حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا فى معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف.([14])
 ـــــــــــ
- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ، قَالُوا : أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا . مَا صَلَّوْا ) ([15])
قال النووي :
هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا : ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَظَاهِرَة ، وَمَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته ، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ ، وَلْيَبْرَأْ .
وَأَمَّا مَنْ رَوَى ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَمَعْنَاهُ - وَاَللَّه أَعْلَم - فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) مَعْنَاهُ : لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ .
وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت . بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ ([16]).
قلت : وهذا كلام النووي الذي يحذفه مردة الإرجاء العصري من كلام النووي – رحمه الله – ولا يأتون إلا بهذا المقطع,
قال النووي :
وَأَمَّا قَوْله : ( أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، مَا صَلَّوْا ) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ([17]).
 وهذا دليل عليهم وليس لهم لأنه فرق هنا بين الخروج المذموم والإنكار على الحاكم. وهو حق فإنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم .
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل الفقيه أبو سعيد الخدري فأنكر على مروان بن الحكم وكان خليفة للمسلمين وأراد أن يخطب في الناس قبل أن يصلي يوم العيد . فأمسكه من تلابيب جلبابه وجذبه إلى المصلاة ثم روى حديث (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... )) وسيأتي قريبا بإذن الله .
- ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ، قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ، فقال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة. ([18])
-  ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال :  اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه . ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به. ))([19])
وأصرح من ذلك قوله : ((صلى الله عليه وسلم )) (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ,
 وفي رواية الحاكم (( حمزة سيدة الشهداء ورجل قام إلى إمامه فأمره ونهاه فقتله )) وهذا واضح جدا كما ذكرته آنفا .
قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر))([20])

-  ثم ماذا نفعل مع هذه الأحاديث ولماذا الحاكم لا يحل لنا أن نأمره وننهاه ؟ ففي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي
ثم يقال : ماذا نفعل في مثل قوله :
ــــــــــــــــــــــ
قلت : وإليكم بعض الآثار عن سلفنا الصالح :
فها هو أبو بكر الصديق ثاني اثنين (رضي الله عنه ) : لما تولى (( حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة ))
وصحح إسناده ابن كثير . وهو من الشهرة بمكان .([21])
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبدا لله؟، قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان، فقال لا تعجل، يا عبدا لله، يا عبدالله، فلم يجبه أحد، فقال يا عبدالله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين , فقال: نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك، قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع) ([22])
وعمر هو عمر فلا يعرف أحد أفضل منه بعد أبي بكر – رضي الله عنهما – .
ولما قال عمر رضي الله عنه في مهور النساء وردَّته المرأة بقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:20) ، فرجع عن قوله وقال : ( أصابتِ امرأةٌ ورجلٌ أخطأ )([23])

وكذلك خروج عائشة أم المؤمنين , والزبير حواري رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومعهم ألوف مؤلفة, إلى البصرة مطالبين عاليا بدم عثمان (رضي الله عنهما ), ولم يكن معهم سيف ولا أرادوا القتال ولم يقل علي لهم إن هذا خروج على الحاكم أو أن هذا بدعة لا تجوز .
قال صاحب المختصر في تاريخ البشر :
وقد عنون لها فقال  (( مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ))
((ولما بلغ عائشة قتل عثمان، أعظمت ذلك، ودعت إِلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر، وجماعة من بني أمية، وجمعوا جمعاً عظيماً، واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة ))([24])
وهؤلاء الذين خرجوا مطالبين بدم عثمان – رضي الله عنهم – أكابر, وكلا الطرفين دعواهما حق وإحداهما أحق من الأخرى كما جاء في النص :
( لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ) وهو في الصحيحين .
وفي رواية أخرى : تلتقي من أمتي فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينا هم كذلك إذ مرقت بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق )) فسماها أولى الطائفتين بالحق يعني كلاهما على الحق وإحداهما أحق من الأخرى, وهي طائفة علي – رضي الله عنهم جميعا - . ولما خرج هؤلاء الأكابر من الصحابة – رضي الله عنهم – هل قال علي – رضي الله عنه – لهم إن هذه بدعة ؟ أو إن هذا خروج على الحاكم ؟
قال الحافظ ابن حجر : ((فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه ))([25]) ـــــــــ
وفي صحيح مسلم أن عنبسة بن أبي سفيان - وكان والياً لمعاوية رضي الله عنه على الطائف - لما أراد أن يأخذ أرضاً لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تهيأ لقتاله وأمر غلمانه بأخذ أسلحتهم وقال: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد)([26])
(قال أبو محمد رحمه الله - أي ابن حزم -؛ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين إذ أمره بقبض الوهط، ورأى عبد الله بن عمرو أن أخذه واجب، وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم ))([27])
ومن ذلك أيضا : ما جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: وَجَدْنَاهُ خَيْرَ أَمِيرٍ، مَا مَاتَ لِرَجُلٍ مِنَّا عَبْدٌ إِلا أَعْطَاهُ عَبْدًا، وَلا بَعِيرٌ إِلا أَعْطَاهُ بَعِيرًا وَلا فَرَسٌ إِلا أَعْطَاهُ فَرَسًا، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي قَتْلَهُ أَخِي أَنْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ .... ثم تلت حديث (( من ولي من أمر أمتي شيئا ... ))وهو في الصحيحين بلفظه .([28])
قال النووي :
هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى
[شرح النووي على مسلم 12/ 213]

 وأنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم على مرمى ومسمع من الناس, ففي صحيح مسلم : عن أبى سعيد ، قال : أخرج مروان المنبر يوم العيد ، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة. فقام رجل ، فقال : يا مروان ، خالفت السنة ، أخرجت المنبر يوم عيد ولم يك يخرج به ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، ولم يكن يبدأ بها ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان.
 )) .([29]).
, ولعله يدخل في هذا : ما حدث لأبي حنيفة ومالك من مخالفتهم أمر الحاكم في تولي القضاء حتى ضربوا ولم يستجيبوا , وما ثبت عن أحمد من مخالفته في المجاهرة بالحق مخالفة للحاكم, ولما اجتمع الناس خوفا على الإمام أحمد. خرج المأمون عليهم وقال لهم ما مضمونه إنه بعافية ولم يمسه . بل لما حبس المزي بغير حق, ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى السجن فأخرجه, وكان يهابه السلطان والأمراء, وكان العز بن عبد السلام ينكر على السلاطين حتى قال لأحدهم (( أو أنت ممن قال : إنا وجدنا آبائنا على أمة ))؟؟ ذكرها الذهبي في السير فيما أذكر .
قال الغزالي :
((واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة كما روي أن مروان بن الحكم )([30])
وقد ذكر الغزالي في هذا الباب آثارا في حسبة العلماء على الولاة وإنكارهم عليهم


ـــــــــــ
وقد يقال لماذا لم يكن الإنكار على الخلفاء بقدر إنكارهم على غيرهم ؟:
يجيب على ذلك ابن عبد البر – رحمه الله - :
قال أبو عمر إنما فر من فر من الأمراء لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم ولا يغير عليهم ولا يسلم من متابعتهم, وقد كان الفضيل بن عياض يشدد في هذا فيقول ربما دخل العالم على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه منه شيء قالوا كيف ذلك قال يمدحه في وجهه ويصدقه في كذبه وذكر احمد بن حنبل عن ابن المبارك قال لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم قال وأنا أخاف ألا أصدقهم ([31])

ــــــــــــــ
ثم يقال : فكيف العمل وما الجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبين طاعة ولي الأمر وبين نصيحة الإمام سرا ؟
نقول :
نبين ذلك في مسائل :
المسألة الأولى معرفة الخروج المذموم : وهو فيما يلي :
-  ما كان للمقاتلة والمنابزة والمنازعة ولشق عصا المسلمين ولتفريقهم كما جاء في النصوص السابقة, أو من ألب الناس على مقاتلة الحاكم المسلم كما كان يفعل القعدية من الخوارج .
-  وأن يكون الحاكم مسلما مقيما للدين داعيا إلى الصلاة كما في السنة وذكرنا كلام أهل العلم فيه ابن عبد البر والنووي وكذلك كلام علي رضي الله عنه .
المسألة الثانية :
إن حال الحاكم على ثلاث :
-      كافر : وجب الخروج عليه عند القدرة .
-  ظالم  : يطاع في المعروف ولا يجوز الخروج عليه إنما الموعظة والتخويف بالأحاديث الواردة كما قال ذكر أهل العلم استدلالا بالنصوص  .
-      عادل : لا يجوز الخروج عليه ووجبت طاعته والدعاء له سنة عند السلف .
المسألة الثالثة :
حال أمر الحاكم المسلم :
·       مما أمر الله : وهذا وجب الائتمار به طاعة لله ثم للحاكم فطاعة الحاكم من طاعة الله.
·       مما سكت عنه الشارع : فهذا يجب طاعة الحاكم المسلم فيه .
·       مما خالف الله ورسوله : فهذا لا يجوز طاعته فيه .
المسألة الرابعة :
·       يجمع بين كلام السلف بوجهين :
·   أنه إذا كانت المعصية أو المخالفة من الحاكم أمام الناس فإنما ينكر عليه أمام الناس قدر الإمكان . ولذلك أنكر أبو سعيد الخدري على مروان أمام الناس .
·   وإن كانت في الولاية ولم يدر بها أكثر الناس ففي الخفاء, ولهذا أنكر أسامة على عثمان سرا . كما تقدم . وعليه يحمل حديث ( من بدا له نصيحة لسلطانه فلا يبدها له علانية )) وهو عند أحمد وابن أبي عاصم, على فرض ضحته  وقد صححه الشيخ الألباني, وكذلك نصيحة ابن عباس كما جاء عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أمُرُ إمامي بالمعروف ؟
فقال ابن عباس : " إن خشيت أن يقتلك فلا ، فإن كنت فاعلا هذا ففيما بينك وبينه ولا تغتب إمامك "
·       وهناك فائدة أخرى أفادها النووي : إن كان الخليفة يرجع بالنصح فإنه ينصح سرا .
وهنا لطيفة : وهي الفرق بين الإنكار والنصيحة : فالنصيحة أشمل والإنكار أخص ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما الدين النصيحة : قلنا لمن يا رسول الله : قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
لكن الإنكار فيشترط فيه شروط :
العلم بالمنكر .
القدرة على الإنكار على قول أكثر السلف .
أي أن يكون باليد فإن لم يكن فباللسان فإن لم يستطع فبالقلب .
الثالث : ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه .
وما سبق إنما هو جمع للأحاديث وإلا لعطلنا العمل بكثير من الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام ومن بعدهم – رضي الله عنهم جميعا – والقاعدة الأصولية المشهورة تقول : إعمال النص أولى من إهماله . ولذلك لما كبر على المعتزلة والمتكلمة الجمع بين الأحاديث قالوا بعدم العمل بحديث الآحاد في العقائد,
والخلاصة : إن الإنكار على الحاكم – ولو كان مستسلما لأوامر الله حاكما بما أنزل - ليس من جنس الخروج عليه .
ــــــــــــــــــــ
وإن كان البحث يحتاج إلى ترتيب فعذري أني أسرعت في ترتيبه وتجميعه, وهو رد قديم هذبته . ونسأل الله تعالى القبول .
والحمد لله في الأولى والآخرة .
ــــــــــــ




([1] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([2] ) [شرح ابن بطال 15/ 229، بترقيم الشاملة آليا]

([3] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([4] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314],
([5] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 315]
([6] )  [التمهيد 23/ 279]

([7] ) [جامع العلوم والحكم 28/ 16]
([8] ) مسند الإمام أحمد 3/213 ، قال الشيخ ماهر الفحل إسناده لا بأس به إن شاء الله
([9] ) [شرح النووي على مسلم 12/ 229]
([10] ) [الاستذكار 5/ 15]
([11] ) أخرجه "مسلم" 6/16(4796)

([12] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 313]
([13] ) [التمهيد 23/ 277]
([14] ) [شرح ابن بطال 15/ 228، بترقيم الشاملة آليا]

([15] ) أخرجه مسلم (3/1480 ، رقم 1854)
([16] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]

([17] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]
([18] ) رواه البخاري (4832).
5/203(4340), و"مسلم" 6/15(4793)
([19] ) أخرجه "مسلم"(6/7)
([20] ) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 23/ 34، بترقيم الشاملة آليا]
([21] ) [جامع الأحاديث 25/ 211]

([22] ) أعلام الموقعين (2/ 180)
([23] ) [الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي [ص: 2]
([24] ) [المختصر في أخبار البشر 1/ 119، بترقيم الشاملة آليا],
([25] ) [فتح الباري - 6/ 616]
([26] ) [وروى البخاري المرفوع منه].
([27] ) ).المحلى ((10/835))
([28] ) [مستخرج أبي عوانة - 8/ 159]
([29] ) أخرجه "مسلم" 1/50(86)
([30] ) [إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي 3/ 322:321]
([31] ) [التمهيد 21/ 286]