الأخبار

الخميس، 29 نوفمبر 2012

رزقت بصهيب (وكنيته أبو يحيي)

بفضل من الله الرزاق ذي القوة رزقت مولودا منذ سويعات ( صهيب بن عمرو السيوطي وهو حنبلي رغما عن أمه لقاء ربي ثم الجنة ) .. وأسأل الله تعالى أن يرزق إخواننا الموحدين خلفا صالحا وذرية طيبة وأن يحفظ إخواننا وأخواتنا ويرزقهم زوجا صالحا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ـــــــــــــــ
وأسأله تعالى أن يجعله من الصالحين المجاهدين وأن يكتب لأبيه ثم له شهادة في سبيله وحده.

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

المفاهيم العشر لأسلمة دستور العصر: [مختصر مجمل]

الحمد لله رب العالمين وبعد:
بعض الحريصين على تطبيق شريعة الرحمن يسعون إلى تطبيق بعض الشعائر ظانين أن هذا يعد تطبيقا ولو تدريجيا للشريعة في ظل المرجعية الديموقراطية, ومن ناحية أخرى ترى بعض المحبين والغيورين يشترطون تطبيق الشريعة كاملة ظانين أن التدرج في التطبيق هو ذاته التدرج في التشريع وما سوى ذلك مرفوض, بينا ذهبت طائفة أخرى إلى أن التدرج جائز مطلقا وكل هذا ليس صوابا وإنما الأمر على ما سيأتي بيانه في صورة مفاهيم أو قواعد ونسأل الله القبول:
فنقول: لا يكون الدستور صحيحا إسلاميا - بغض النظر عن حكم التدرج - حتى يتم له ركنان:
1- أن يكون القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع - والسنة تبع له لاشك - فلا يشاركه غيره: فلا رأي ولا اجتهاد إلا من خلاله, أي استسلاما لأوامر الله ونواهيه فما حرمه فهو الحرام وما أحله فهو الحلال - وليس استسلاما لسلطة الشعب - وغير ذلك شرك وتشريع من دون الله. قال شيخ الإسلام: [ والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره كما ينبىء عنه قول لا إله إلا الله فمن إستسلم له ولغيره فهو مشرك ومن لم يستسلم له فهو مستكبر وكلاهما ضد الإسلام] مجموع الفتاوى (15/ 163)
2- أن توضع هذه المادة استسلاما لأوامر الله تعالى على الأقل بالجوارح, وأما استسلام القلب فهو لنجاة العبد نفسه بينه وبين ربه يقول الطبري في قوله تعالى: [ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ] قال ما حاصله: [، فإنه يعني بـ "إسلام الوجه" : التذلل لطاعته والإذعان لأمره. وأصل"الإسلام": الاستسلام ، لأنه"من استسلمت لأمره"، وهو الخضوع لأمره. وإنما سمي"المسلم" مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه. ].تفسير الطبري (2/ 510)
3- هذان الركنان منفكان عن قضية التدرج. فسواء كان ثمة تدرج أم لم يكن فلا يصح دستور من دون هذين الركنين وهما أخص خصائص الإلوهية ومن دونهما تصير عبادة للمستسلم له, فإذا كان ائتمارا بأمر الشعب فهو استسلام له, وإذا تحقق الركنان بقي الكلام في مسألة التدرج في التنفيذ - على ما سيأتي.
4- أن ثمة فرق بين التدرج في التشريع - التقنين - وبين التدرج في التطبيق والتنفيذ. فالتدرج في التشريع - التقنين - كفر بالله والتدرج في التطبيق فالأصل فيه الظلم والحرمة وقد يجوز بشروط معلومة على ما سيأتي بيانه في العنصر الخامس.
5- أن التدرج في التطبيق الأصل فيه الحرمة والظلم لاكتمال الشرع كما في قوله تعالى:[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .. ] وكذا لقوله: [ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ], وكذا [ ومن لم يحكم بما أنزل الله ... ].
فإذا كان القرآن:  1- مصدرا وحيدا. 2- على وجه الاستسلام لله تعالى - ثم عجز الحاكم المسلم عن تنفيذ بعض الأحكام أو الأوامر أو ترك بعض النواهي فذلك معفو عنه وذلك أن التكاليف كلها منوطة بالقدرة إجماعا كما في قوله [ فاتقوا الله ما استطعتم ] وفي الحديث [ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم].صحيح مسلم (4/ 1829)
6- أن العفو عن غير مقدور عفو مؤقت: فإذا زال العجز زال العفو وعاد الأمر حكمه على ما كان, والحكم يدور مع العلة حيث دارت. كما في القاعدة المعروفة.
7- أن المقصود بترك غير المقدور هو تأخيره [فقط] مع العمل على إزاله ذلك العارض وأن الضرورة تقدر بقدرها: كما في القاعدة المعروفة, فإذا عجز عن تكليف فلا يتعدى إلى غيره, كما فعل علي - رضي الله عنه - في حق قتلة عثمان فإنما أراد تأخير الجزاء وهو في حكم واحد ليس في عشرات المسائل.
8- أنه لا يدخل غضب الشعب وعدم رضاهم في باب الضروريات: وإنما المطلوب العدل فيهم وتأليف قلوبهم للشريعة الحاكمة فمن امتنع قوتل ومن لم يمتنع فيكفينا استسلام جوارحه وقلبه بينه وبين ربه. : [ وقد قال تعالى:{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }: كما قال ابن تيمية في جوابه على مسألة قتال التتر: [والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله  ] اهــ الفتاوى الكبرى (3/ 556)
9- أن هذا العفو لتمام المصلحة الشرعية المحضة وليس المتوهمة - كحياة الداعي أو رضا الشعب - وثمة فرق بيناه قبل ذلك, أي أن يكون في ترك ذلك مصلحة غالبة حقيقية ظاهرة كما في فعل علي – رضي الله عنه – فإنه خشي أن تقوم بين الناس فتنة بقتل قتلة عثمان فرأى أن يؤخر الحكم فكان الحق معه باتفاق, وكذلك كما يشرع ترك إقامة الحد في دار الحرب عند الأوزاعي وإسحاق وأبي حنيفة, [لما في ذلك من مفسدة ظاهرة فيوهن الجيش وقد يستغل شياطين الإنس والجن أن يخون المحدود – من أقيم الحد عليه – المسلمين فيفشي سرهم ويعين الكفار عليهم نقمة على الحد أو خوفا منه قبل إقامته عليه], أو كان للمسلمين حاجة للمحدود عند الشافعي. ينظر المغني: [9\7608].
10- أن المقصود بالخلافة هو حماية جناب الإسلام: الذي لو سألت عامة المتسننة عن تعريفه لقالوا من غير تردد: [ هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله ] فإذا لم يكن ثمة استسلام لله ابتداء فلاشك أن بذل الجهد فيه عبث.وتغرير بالمسلمين, ووددت أن أسترسل في بيان هذا المعنى لولا حاجة في نفسي, لكن خلاصته:
أن الاستسلام لا يكون بمجرد المشابهة أو الاشتراك في صورة الشعيرة فإن المرأة الصليبية المحافظة – الراهبة – تتعبد بالحجاب وكذلك المسلمات مأمورات وكما المسلم والقس كلاهما يتعبدان بترك اللحية, فكل منهما استسلم لمعبوده في تحقيقه لأمره, ومعلوم بالضرورة أن من وجه الصلاة – على كيفية صحيحة – لغير الله كان مشركا خارجا من الملة, فقضية الاستسلام للشعب في تشريع قانون يمنع بعض المنكرات وما شابه فما هو إلا من هذا الباب- أي الاستسلام لغير الله -, ولابد من التنبيه إلى أمور ثلاث:
1- أن محل الخطأ ليس في استخدام الشعب في الضغط إنما هو في قيامه بوظيفته كمصدر للسلطات, فأول واجب أن يثور الشعب – قدر استطاعته – على قانون [السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات], أما مسألة الضغط والمظاهرات فهذا من باب الإنكار ووسائله الأصل فيها الحل بل دل عليها فعل السلف في غير مرة. على خلاف ما يذهب إليه مرجئة الحكام اليوم.
2- أن الانتخابات ذاتها ليست محل الحكم بالكفر والإيمان بل الحكم منصب على التنصيص بأن [السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات] فهذه صفة الإلوهية التي لا يشارك - اللهَ - فيها ملكٌ ولا نبيٌ كيف تجوز للشعب؟!,, وترجمة هذا أن: الشعب إله يعبد من دون الله يحرم ويحلل (يشرع), وأما مسألة أخذ رأي الشعب في من يحكم – بكتاب الله قطعا لا بغيره – فالخلاف فيها وارد في حالة:
- توافر الركنين - الاستسلام والتنصيص على توحيد القرآن والسنة بالتبعية حاكما -.

   - ألا يجعل حكم الشعب – المسلم فقط – فرضا فإن فيه الفاسق والسفيه وصاحب الهوى والمنافق غير المعلوم.
   - وذلك كله مع اعتبار أن اختيار الشعب إنما هو من قبيل الوسائل المرجحة فقط كأن يختلف أهل الحل والعقد في اختيار أي المذكورين ليحكم بالشريعة فيكون رأي الشعب - المسلم فقط - مرجحا لأحد القولين.
3- أنه لابد من تعليم الناس معنى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت, وعدم الاكتفاء بتحسين صورته والتغني بكونه مربحا للناس - مال ووظائف - فكما فيه ذلك ففيه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله, فليس عظمة الإسلام لكونه يتصف فيه العدل والغنى - وإن كان ذلك لازما لشريعة إلهية - بل لكونه دين الله القوي المتين, بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام حوصروا في شعب أبي طالب في سنة سبع من النبوة فجاعوا وتأذوا أذاىً عظيما ولم يردهم ذلك عن دينهم ولم يجعل ذلك مصلحة شرعية أن يرضى بأن يكون ملكا عليهم يحكم بما يشاء في صورة ملك لا نبي يحكم بما أنزل الله فأبى - صلى الله عليه وسلم - ورضوا بالأذى والجوع والحصار في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا. فهذا الذي يجب أن يستبين للناس. وذلك أن العوام هوام إذا اعتقدوا أن فضله في المال والدينار والدرهم فعند انتزاعهم ذلك الخير سينقلبون على أهله ويرتدون عن دينهم إن استطاعوا ويستغل ذلك العلمانيون كما يفعلون الآن في المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاشية: استخدمنا كلمة التدرج وهي كلمة دارجة على الألسن وإن كان الأولى تركها فالتدرج يوحي ببعض المفاهيم الخاطئة وأنه يجوز أن نطعم الشعب ونسترضيهم ثم نطعمهم ثم نحببهم في الشريعة ثم نجعلهم يطلبونها حتى نموت ولا يطبق, لكن الأمر كما ذكرنا في المفاهيم السابقة, والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
والحمد لله رب العالمين.
أبو صهيب الحنبلي.

السبت، 10 نوفمبر 2012

معنى الطاغوت في القرآن: كمثال توضيحي لتفسير القرآن بالقرآن.

تبيين وتوضيح لمعنى الطاغوت مع تحرير الشاهد له: ( تحرير مختصر )
الأصل في هذا الباب أربع آيات:
قوله تعالى: ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )
قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}
قوله تعالى: ( لم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ))
قوله تعالى: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) الآيات.

وهناك آيات كثر في هذا الباب لكن هذه الأربع هي العمدة والأكثر استعمالات للتدليل على ماهية الطاغوت وسنأخذ مثالا واحدا يفهم منه بقية الآيات وهو قوله تعالى: (( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) الآيات.
بعض الإخوة يظن أن الشاهد في هذه الآية أنها نزلت في رجل يزعم الإسلام, ولذلك يتحرج إذا قيل له إنه منافق فيبطل استدلاله حينها فيذهب إلى القول بأنها نزلت في رجل من أهل بدر.
فجماهير المفاسرين وعلى رأسهم شيخ المفسرين الطبري: أن الذي نزلت فيه الآية هو أحد المنافقين وهو قول مجاهد والشعبي وسليمان ( أبي المعتمر ) وقتادة والسدي, وذكرها البغوي عن ابن عباس), وقيل إنه من أصل يهودي, فأراد أن يتحاكم إلى كعب بن الأشرف وبعضهم لم يبين.
ـــــــــــــــ
فالشاهد : ليس في من نزلت فيه لعدة أمور:
أن الآية لم تنزل لكونه منافقا أو مسلما بل لكونه تحاكم إلى الطاغوت, فقد كان حكمه عند الله النفاق ولا يزال الوحي ينزل, ولم ينزل فيه شيء لمجرد نفاقه إلا شيئا عاما في سائر المنافقين, لكن لما أظهر الكفر وهو التحاكم إلى غير الله تعالى, أنزل فيه ذلك.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وفيه أربع شواهد:

فالشاهد ( وهو الأول ) هو التحاكم ذاته.
ويدل على ذلك قوله تعالى في اليهود: ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت )) فهنا أهل الكتاب كفار أصليون لكنه أنكر عليهم هنا تحاكمهم إلى كعب بن الأشرف وتركهم حكم الله في كتابهم – على تحريفه – ( وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك ) وهو من باب التقريع لليهود, وقد نزلت في الرجم - فكان موجودا حينها -.( على أحد القولين زاد المسير لابن الجوزي )
وأدل شيء على ذلك قوله تعالى: ( وقد أمروا أن يكفروا به ) فصح أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به حتى لو لم يسجد له.
بل في رواية أنه أراد التحاكم إلى عمر بعد أن تحاكم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقتله وقال هذا حكم الله فيمن لم يرض بقضاء الله. ( ذكرها البغوي في معالم التنزيل ) ( أشك في صحتها ) لأن الطاغوت لا تطلق إلا على من رضي أن يتحاكم الناس إليه.
وقد يقال: إن التحاكم إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم في ذات الأمر تحاكم إلى طاغوت ( وهو الشيطان ) بغض النظر عن رضى المتحاكم إليه فصار الحكم مستقل عن المتحاكم فصح الحكم على المحكوم ونجا منه المحكوم إليه, وقد تكون حادثة عمر حادثة أخرى وهو أولى خاصة مع قول الجماهير في كون المتحاكم إليه هو كعب ابن الأشرف أو رجل من اليهود غير مسمى, أو هو أبو برزة الأسلمي – رواية عن ابن عباس- ).

والشاهد الثاني: قوله تعالى بعد الآية: (( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ))
فالمنافقون هنا: هم أصحاب النفاق الأكبر فأصبح من النفاق الأكبر الإعراض عن حكم الله تعالى وليس محاربته بل هذا فقط لا يريد التحاكم وهناك فرق عظيم بين محاربة الشرع وبين عدم التحاكم إليه.

والشاهد الثالث: في معنى الطاغوت:
فالطاغوت: هو بمعنى واحد وإن تعددت التعاريف فيه فبعض الإخوة يظنون أن المسألة خلافية خلاف تضاد - أعني تعاريفه -: بل هذا خلاف تنوع وقد بينه شيخ الإسلام ( أظن في مقدمة في أصول التفسير ) وهو أن تفسر الآية إما أن يتناول المفسر وجها من وجوه تفسيرها, ومنهم من يفسرها بما نزلت فيه ومنهم من يفسرها على سبيل العموم, ومن أمثلته ما وقع في قوله تعالى ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) فقد فسرها بعضهم بالأمر بالمعروف وبعضهم بـ ( لا إله إلا الله ) وبعضهم بــ ( الإسلام ) وكل هذا بمعنى واحد, ومن أمثلته قوله - صلى الله عليه وسلم - ( لا ما أقاموا فيكم الصلاة ), فيقال: الصلاة عماد الدين ولا يقيمها بحيث يعاقب عليها إلا من أقام الشريعة ( في الجملة ) وبعضهم قال: بل هذا من باب وصف الشيء بأخص خصائصه والمقصود هو إقام الشريعة – في الجملة - وإن ظلموا.
فالمعنى العام للطاغوت: هو كل ما يعبد من دون الله وهذا قول مالك واختاره الطبري وقال به من المتأخرين ابن القيم وأوضحه سواء كان جنا أو إنسا أو صنما. وهذا المعنى العام يؤيده قوله تعالى: ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله )
وهناك في البخاري: قول عمر: إنه الشيطان, وقال عكرمة: هو الكاهن.
لكن لما جاء التفسير مخصوصا بالآية هنا:
قال مجاهد: هو شيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو يتولى أمرهم.
وقال: ابن عباس ومجاهد في رواية أخرى وسعيد بن جبير: هو كعب بن الأشرف.
فهنا ليس خلافا بل لما كان الانفراد بالحكم من أخص خصائص الألوهية _ بل لا يعبد إلا بالتحاكم إليه _ قال مجاهد هو من يتحاكم إليه الناس وهو يتولى أمرهم, فمن تحاكم فقد عَبَد ومن يُعبد فهو طاغوت.
وابن عباس ومجاهد وسعيد فسروها بالحادثة فقال الطاغوت هنا أي على المعنى المعروف عندكم هو كعب بن الأشرف, .وفي رواية أخرى لابن عباس: إنه أبو برزة الأسلمي ( رواها الطبراني في معجمه الكبير )
ويستفاد من ذلك: أنه ليس كل كافر طاغوت بل قد يكون كافرا بل كل طاغوت كافر بالله وهو أشد كفرا من غيره, كفرعون, والنمروذ, وكعب بن الأشرف, وأمثالهما.
وقول: عمر إنه الشيطان وقول عكرمة: فله سابقة يوضحه قول جابر إن الشياطين كانت تنزل على الكهان في كل حي وكان الناس يتحاكمون إلى الكهان. ( البخاري معلقا ),
ففسرها عمر بأصل من يتحاكم إليه الناس في الحقيقة وهم الشياطين, وفسرها عكرمة بمن يظهر للناس أنه الحاكم وهو حاكم مطبق مغير وفي هذا دليل على عدم التفرق بين من يكتب قانونا بيده ( مغايرا لشريعة الرحمن ) أو من يطبقه فقط فهما في الحكم سواء.

الشاهد الرابع: في قوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}, فبعد الآية ذكر الله تعالى هذا الأصل أو هذه القاعدة التي هي أصل الإيمان وهو التحاكم لله تعالى وحده بتوحيد الاتباع بالرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) في حياته أو إلى سنته بعد مماته.
ـــــــــــــــ
هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

الحاكمية: ومناقشة أثر ابن عباس سندا ومتنا.

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم. وبعد:
فهذا شرح للناقض الرابع ضمن شرحي على نواقض الإسلام والذي يتضمن بحثا منفردا لمسألة الحاكمية وما ورد من شبهات مجملة تصلح للمناقشة ورد دعاوى المخالفين من آثار كأثر ابن عباس وطاوس سندا ومتنا, وهو على إجماله قد يبين حقيقة المخالفة ومواطن النزاع ومواطن الإجماع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول المصنف:
((الرابع: من اعتقد أن غير هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه, أو أن حكم غيره أحسن من حكمه – كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه - فهو كافر.))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
((الشرح)):
قوله: ((الرابع)): أي من النواقض العشر.
((اعتقد)): أي عقد قلبه وضميره على ذلك, وهذا لا يلزم منه التنفيذ لما يعتقد فمجرد ذلك كفر بذاته.
((أن غير هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه)): وهديه – صلى الله عليه وسلم – هو سبيله وطريقته ومعاملاته.
وقوله: ((أن غير هدى النبي )): جاءت مطلقة فيشمل أهل الكتاب وغيرهم من الملاحدة وعَبَدة الأصنام وغيرهم, وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في خطبته المشهورة: [أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وأفضل الهدى هدى محمد – صلى الله عليه وسلم - ]([1]), وذلك أن الله تعالى اختار محمدا – صلى الله عليه وسلم – ورضي هديه وخلقه, فمن لم يرض بخلقه أو هديه فقد طعن في حكم الله جل في علاه, وذلك أن الله تعالى قال: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}([2]) [ وهو الخلق القويم. ثم فسَّره بقوله: { صراط الله الذي} أي: شرعه الذي أمر به الله ]([3]), ومنه قوله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([4]), قال البغوي: [يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضل عن طريق الهدى { وما غوى. } { وما ينطق عن الهوى } أي: بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه.]([5]), بل إن أدبه وخلقه إنما هو تشريع وخلق مجسد لآداب القرآن ولذلك قال تعالى: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}([6]), قال الطبري: [يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه.]([7]), وقد كانت عائشة – رضي الله عنها – تقول: [ كان خلقه القرآن ]([8])
المسألة الثانية قوله:
[أو أن حكم غيره أحسن من حكمه]
((أو)) للتنويع, أي يتساوى الحكم فيما قبلها وبعدها, ولا يلزم من ذلك الجمع بينهما حتى يستحق صاحبهما الحكم.
((حكم غيره)) والحكم هو القضاء, ويدخل في قوله ((غيره)): سواء حكم كاهن أو حبر أو زعيم قبيلة.
((أحسن من حكمه )) وأحسن صيغة تفضيل, وهي على الغالب, وإلا فمن ساوى بين حكمه وحكم غيره فحكمه حكم من فضل حكم غيره على حكمه.
وكل ذلك كفر وردة, وذلك أن حكمه تشريع ولا يقرُّه الله تعالى على خطأ كما هو مقرر في الأصول ودلت عليه الأدلة, وقد قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ }([9]), وقد وصف الله تعالى حكم نبيه – صلى الله عليه وسلم – والذي هو حكمه قائلا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([10]), ومنه قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}([11]), ومثله قوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }([12]), فسواء من حسن أو جوز حكم غير الله أو قال حكم غير الله أحسن فكلاهما كافر مرتد, إجماعا.
ثم ضرب المصنف مثالا على ذلك فقال: ((كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه )): والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع, فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله ]([13])
والكفر بالطاغوت: أحد ركني شهادة ألا إله إلا الله, نص على ذلك قوله تعالى: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}([14]), فمن لم يكفر بالطاغوت, وهو كل ما يعبد من دون الله – كما تقدم – فلم يحقق شهادة ألا إله إلا الله, فكيف بمن يجوز أو يفضل حكمه على حكم الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -  فإذا كان الأول لم يوحد الله ابتداء, فالثاني أشد منه كفرا وأكثر بعدا وضلالا لا محالة.
قال ابن كثير: [ أي: من خلع الأنداد والأوثان, وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو { فقد استمسك بالعروة الوثقى } أي: فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.]([15]).
ومن أمثلة هؤلاء: الذين يفضلون الحكم العلماني أو ما يسمى بالديموقراطي, وكذا من يرى جوازه فكل هذا كفر وردة, ونعوذ بالله من الكفر وأهله.
ويقول المصنف في الواجبات المتحتمات: والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة :
الأول : الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله ، والدليل قوله تعالى : { ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} .
الثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله ، والدليل قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} .
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .
الرابع: الذي يدّعي علم الغيب من دون الله ، والدليل قوله تعالى : { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلُك من بين يديه ومن خلفه رصداً } ، وقال تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } .
الخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة ، والدليل قوله تعالى: { ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين }.([16])
 وهنا مسألة: ما حكم من لم يحكم بما أنزل الله؟
وله حالتان:
o     أن يحكم بغير ما أنزل الله في فرادى الأعمال وأحادها.
o     أن يحكم بغير ما أنزل الله في أغلب أعماله.
الحالة الأولى:
أن يكون الحاكم المسلم أو القاضي, قائما على الناس بكتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وذلك أن يكون الكتاب الكريم هو المصدر الوحيد للتشريع لا يسوي بينه وبين غيره ولا يشرك معه في الحاكمية غيره ولا يستسلم لغيره لا في كثير ولا في قليل, وألا يطلق قانونا واحدا مخالفا لظاهر القرآن, ثم يعتريه ظلم فيحكم بغير ما أنزل الله في قضية أو في بعض القضايا, فذلك كفر دون كفر أو كفر ينقل عن الملة, كأكل السحت, وفي معنى ذلك قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }([17]) وعليه يحمل ما يروى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – [ هو كفر دون كفر .. أو كفر لا ينقل عن الملة .. أو هو به كفر]([18]), وقال ابن مسعود: من يشفع شفاعة ليرد بها حقا أو يدفع بها [ظلما فأهدي له فقبل فهو سحت، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم، فقال: الأخذ على الحكم كفر,  قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([19]) ]([20])

والحالة الثانية:
ولها صورتان:
1-  أن يدعي أنه: يجعل القرآن مصدرا وحيدا للتشريع ويخالفه في التطبيق فلا يرجع إليه البتة ولا يجعله حجة الحاكم – كالقاضي – ولا حجة المحكوم وذلك في أغلب الأحكام, أو أن يسن قانونا يخالف القرآن في حكم ظاهر معلوم من الدين بالضرورة, فإن ذلك هو الكفر الأكبر المخرج من الملة, يقول العلامة ابن قاسم: [ وهذا كثير، فمن الناس من يحكم بين الخصمين برأيه وهواه، ومنهم من يتبع في ذلك سلفه، ويحكم بما كانوا يحكمون به، ومنهم من يحكم بالقوانين اليونانية، وهذا كفر إذا استقر وغلب على من تصدى لذلك ممن يرجع الناس إليه إذا اختلفوا، وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لم يسغ تقليده، فيعتمد على قول من قلده، ويدع ما دل عليه الكتاب والسنة.]([21])
2-   أن يستبدل القوانين الوضعية بالقرآن وإليها – القوانين الوضعية – يرجع الحكم كله, فتكون حجة القاضي في الحكم وحجة الطالب في طلب حقوقه, وهو أولى بالكفر الأكبر من سابقه, وفي هذا كله نزل قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([22]), ومنه قول ابن مسعود: [ من يشفع شفاعة ليرد بها حقا أو يدفع بها [ظلما فأهدي له فقبل فهو سحت، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم، فقال: الأخذ على الحكم كفر,  قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([23]) ]([24])

فائدة فيما ورد عن ابن عباس في الباب:
وردت بعض الروايات عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([25])
قال ابن عباس: « ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفرا ينقل عن الملة ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) كفر دون كفر »([26]), وما روي عنه: (( ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ))([27]), وحملها كثير من المتأخرين على مطلق الحكم وليس عندهم كفر في الحاكمية إلا إذا اصطحبه الاستحلال أو التفضيل, وهذا القول غاية في الفساد من وجهين:
-        الأول: من حيث الاستدلال العام المخالف للكتاب والسنة والإجماع.
-        الثاني: من حيث استدلالهم بأثر ابن عباس.
أما الوجه الأول: (( من حيث الاستدلال العام )):
فقد تقدم بيانه مختصرا: ونزيد قائلين: إن القول بكون الكفر المذكور في الآية هو كفر دون كفر حتى فيمن حكم بما أنزل الله بالكلية, قول باطل لوجوه:
1- أن الحكم من صفات الله – تعالى – فمن حكم من دون الله فقد نصب نفسه إلها من دون الله, وقد قال تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}([28])
2- أن الطاغوت: هو من تحاكم الناس إليه من دون الله, وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، قال:"الجبت" السحر، و"الطاغوت"، الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم.([29]), وهو قول عمر بن الخطاب.
3- أن الله تعالى: نص على وجوب الكفر بالطاغوت وأنه لا يصح إسلام إلا به فقال: { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا}([30])
4- عموم قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([31]), ولم يقيدها قيد ولا يخصها مخصص, فكل من لم يحكم بما أنزل الله – تعالى – فهو كافر.
5- أن قوله: (( فأولئك هم الكافرون.. الظالمون .. الفاسقون)) كلها في الكفار لا فرق بين الأولى ولا الثانية ولا الثالثة, وقد نزلت في حادثة اليهود الذين قالوا: ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوا وإن أفتاكم بالرجم فأعرضوا .. ونزل قوله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله .. الآيات وقال ابن عمر:هي في الكفار كلها ))([32]), وكذلك قال البراء بن عازب([33]), وقد قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([34])
6- أنه لو كان الحكم بالتكفير معلق بالاستحلال القلبي لما كان لقوله تعالى: (( فأولئك هم الكافرون )), معنى ولا حاجة, فمن المعلوم أن رد شيء من كتاب الله أو سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – سواء كان واجبا أو سنة هو كفر بذاته – كما تقدم -.
7- أن الله – تعالى- أنكر أن يجمع مؤمن بالله بين الإيمان به وبين التحاكم إلى غير الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فقال: {ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ }([35]), قال ابن كثير: [ هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله ]([36])
8-   أن هذا القول مخالف لإجماع المسلمين ومن ذلك:
                        i.  ما قاله ابن حزم: [وأما من أجاز أن يكون صاحب فمن دونه ينسخ أمرا أمر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أو يحدث شريعة، فهذا كافر مشرك حلال الدم والمال، بمنزلة اليهود والنصارى، وعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين، ونحن برآء منه وهو برئ منا ]([37])
                       ii.  ويقول شيخ الإسلام: [ متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء ]([38])
                      iii.  وقال ابن كثير بعد أن عدد بعض نصوص الياسا([39])[ وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ]([40]), وأنا أقول: فكيف من تحاكم إلى القانون الوضعي الصهيوصليبي الشركي؟!

أما الثاني: من حيث استدلالهم بأثر ابن عباس.
والرد على ذلك من وجهين:
-        أولا من حيث المتن: وذلك من وجوه:
o     أن الكفر هنا عام وقول الصحابي لا يخصص العام ولا يقيد المطلق.
o  أنه خالفه فيه غيره من علماء الصحابة: كابن مسعود وحذيفة – رضي الله عنهم جميعا -.([41])
o  أنه يلزم القائل به أن يكون حكم الله على اليهود الذين نزلت فيهم الآية أنهم على كفر دون كفر.
o  أن الكفر هنا معرف بالألف واللام: [ وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله صلى الله عليه و سلم ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة وبين كفر منكر في الإثبات  وفرق أيضا بين معنى الاسم المطلق إذا قيل كافر أو مؤمن وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده  ]([42])
o  أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند عامة العلماء([43]), ولا اعتبار بالسبب إلا من حيث المشابهة في الصفة فيتشابهان في الحكم.
o  أن الأولى من ذلك: حمله على أحادي الأحكام والأقضية, وأنه لا يتصور أن يصدر من مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر حكم من دون الله إلا على وجه الشهوة أو الجهل في القضية والقضيتين كما تقدم, ويستأنس في ذلك بما روي عنه – رضي الله عنهما – أنه قال: [من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق . يقول : من جحد من حدود الله شيئا فقد كفر]([44]), والشاهد ليس في تخصيصها بالجحود بل قوله: (( من جحد من حدود الله شيئا )) فدل ذلك على أن محل كلامه هو على شيء من حدود الله لا مطلق الأوامر والنواهي, وأظهر من ذلك ما قاله الترمذي في حديث: [ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ], قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح ومعنى هذا الحديث قتاله كفر ليس به كفرا مثل الارتداد عن الإسلام والحجة في ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:  [من قتل متعمدا فأولياء المقتول بالخيار إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا ] ولو كان القتل كفرا لوجب] وقد روي عن ابن عباس و طاووس و عطاء وغير واحد من أهل العلم قالوا كفر دون كفر وفسوق دون فسوق ]([45])
-        ومن حيث السند:
o  فإن السند القائم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – من طريق هشام بن حجير وهو ضعيف جدا كما قال ابن معين, وقال على ابن المديني : قرأت على يحيى بن سعيد : حدثنا ابن جريج عن هشام بن حجير ، فقال يحيى بن سعيد : خليق أن أدعه . قلت : أضرب على حديثه ؟ قال : نعم . قلت : فى ماذا ؟ قال : فيما يضرب فيه أهل مكة . و قال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود قال : هشام بن حجير ضرب الحد بمكة  ([46]),وقال العقيلي : قال ابن عيينة : لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره . اهـ . ([47])
o  وأما الرواية الأخرى, فإنما هي من طريق علي بن أبي طلحة عنه وهو ضعيف كما ذكره المحققون, قال شيخ الإسلام في رده على البكري: [ و تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أحمد علي بن أبي طلحة ضعيف ولم يسمع من ابن عباس شيئا وتفسير يرويه محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس والكلبي كذاب و باذام ضعيف ولم يسمع من ابن عباس شيئا, قال عبد الصمد بن الفضل سئل أحمد عن تفسير الكلبي فقال كذب فقيل له أفيحل النظر فيه ؟ قال لا ]([48])
o  أن هذا من قول طاوس نفسه وإدراجه أو قول عطاء وأن لفظ ابن عباس هو فقط (( هي كبيرة )): قال معمر: عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : سئل ابن عباس في قوله : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال : هي كبيرة, قال ابن طاوس : وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله . وروي عن عطاء أنه قال : كفر دون كفر))
o  أنه قد روى عنه خلاف ذلك: منه ما رواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا كائن فيكم ]([49])
o  ويدفع عنا هذا الاعتراض ما جاء عن همام بن الحارث ويبين معنى قول ابن عباس يقول: [ همام بن الحارث: كنا عند حذيفة فذكروا [ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون] فقال رجل من القوم إنما هذا في بني إسرائيل فقال حذيفة نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم الحلو ولهم المر كلا والذي نفسي بيده حتى تحذي السنة بالسنة حذو القذة بالقذة ]([50]), والله تعالى أعلم.


([1]) أخرجه أحمد (3/310 ، رقم 14373) ، ومسلم (2/592 ، رقم 867) ، والنسائي (3/188 ، رقم 1578) ، وابن ماجه (1/17 ، رقم 45) .
([2])[الشورى: 52]
([3])تفسير ابن كثير (7/ 217)
([4])[النجم: 2 - 4]
([5])تفسير البغوي (7/ 400)
([6])[القلم: 4]
([7])تفسير الطبري (23/ 528)
([8]) صححه الألباني وعزاه لأحمد ومسلم في صحيح وضعيف الجامع الصغير (8942).
([9])[المائدة: 49]
([10])[المائدة: 50]
([11])[النساء: 105]
([12])[المائدة: 42]
([13])إعلام الموقعين (1/ 50)
([14])[البقرة: 256]
([15])تفسير ابن كثير (1/ 683)
([16])[الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة (ص: 9)
([17])[المائدة: 42]
([18]) سيأتي تخريجه قريبا بإذن الله.
([19])[المائدة: 44]
([20])تفسير البغوي (3/ 58)
([21])حاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (48/ 3)
([22])[المائدة: 44]
([23])[المائدة: 44]
([24])تفسير البغوي (3/ 58)
([25])[المائدة: 44]
([26]) رواه الحاكم في المستدرك برقم (3176),
([27]) تفسير ابن أبي حاتم (6468).
([28])[يوسف: 40]
([29])تفسير الطبري (8/ 462)
([30])[البقرة: 256]
([31])[المائدة: 44]
([32]) رواه النسائي في السنن الكبرى برقم (7218).
([33]) رواه مسلم برقم (4536).
([34])[البقرة: 254]
([35])[النساء: 60]
([36])تفسير ابن كثير (2/ 346)
([37]) الإحكام في أصول الأحكام: (5/705).
([38])مجموع الفتاوى (3/ 267)
([39]) والياسا أو الياسق أو الياساق: هو الدستور الذي حكم به التتر وكان يقتبس ناظمه من القرآن والإنجيل والبقية من اجتهاداته, فما بالنا بالقوانين الوضعية الصهيوصليبية التي يدين الناس بها الآن؟
([40])البداية والنهاية (13/ 119)
([41]) سيأتي قول حذيفة قريبا – بإذن الله -.
([42])اقتضاء الصراط (ص: 70)
([43]) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام (4/158).
([44]) تفسير ابن أبي حاتم برقم: (6460).
([45])سنن الترمذي (5/ 21)
([46]) التهذيب للمزي: برقم (6571).
([47]) تهذيب التهذيب للحافظ (11/33)
([48]) الرد على البكري (1/75).
([49])السنة للمروزي (ص: 25)
([50])السنة للمروزي (ص: 25)