الأخبار

الأحد، 17 مارس 2013

فلسفة التوبة: [2]



[فلسفة التوبة] [2]

الحمد لله وحده:
القائل: [إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء] هو بذاته القائل [وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم] ..
فهداية التوفيق ليست بيدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهداية الإرشاد هي وظيفته - عليه أفضل الصلوات وأتم التسليمات -
ولذلك كان يعلمنا أن نقول كل صلاة: [اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك] ..
فكأنه يعلمنا أن العبودية هبة ومنة من الله تعالى, فإن لم يمنَّ علينا بها, حرمنا ذلك الفضل, لاحظوا هذا الأمر في قوله تعالى:
[وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا ] وقوله: [ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم] وقد نزلت في الثلاثة المخلفين ..
والشاهد في قوله: [خلِّفوا] وقوله [تاب عليهم ليتوبوا], وخلفوا أي عن التوبة وهو تفسير عكرمة وقتادة. [تفسير الطبري]
ثم تاب الله عليهم. قال كعب بن مالك : فوالله ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوه] تفسير ابن أبي حاتم (37/ 77)
فهنا: التوبة منَّة من الله, والحرمان بعدله – جل في علاه – وحرمانه قد يكون مؤقتا وقد يكون دائما كما حال محرومين من الجنة فبعض الناس يحرم من الجنة مؤقتا ومنهم من يحرمها دائما وهم الكفار.
الخلاصة: تعصيه .. ويرشد إلى الطريق إليه.
ولذلك كانت أعظم سبل التوسل: التوسل بأسمائه وصفاته.
ومن سبلها الصبر والصلاة: [واستعينوا بالصبر والصلاة]
أرأيتم عظم بلاغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يختصر لنا الطريق فيعلمنا أن نقول:
[اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك دبر كل صلاة]!!
فهلا سلمنا له وآمنا به [قولا وعملا]؟!
فالحمد لله على سائر آلائه .. وجزا عنا نبينا خير الجزاء.
آمين.
ــــــــــــــ
أبو صهيب الحنبلي



السبت، 16 مارس 2013

تعليقا على بعض شبهات مرجئة العصر.

تعليقا تابعا لمسألة عمل الجوارح.
ـــــــــــــــ


دار نقاش بين بعض الإخوة الموحدين وآخر من المنتسبين لسلفية اسكندرية وكان قد بدا لي - والله أعلم - أنه ينقل من كتاب وقد استوعبت هذا من خلال قفزاته وتركه للرد على ما يكتب الآخ إلا قليلا فتدخلت ورددت عليه من دون أن أذكر اسمي, [لأنه يعرفني فقد ناقشت شيخه] وفي هذا التعليق ذكر عدة شبهات مشهورة على ألسنتهم, والرد عليها.

الحمد لله على عظيم منه وكرمه:

حصول التصور للمسألة يدفع كل ذلك الوهم المتكرر في الحقيقة. وعلى كل حال لن نعدم الخير وهداية القلوب بيدي الله تعالى:
فنقول - مستعينين بالله تعالى:
1-قول القائل: [ ونعتقد أن إنتفاء المستحبات الظاهرة يلزم منه إنتفاء الإيمان المستحب في الباطن وكذلك انتفاء ألواجبات الظاهرة يلزم منه انتفاء الإيمان الواجب في الباطن] فمحل التلبيس أن الإيمان الواجب المراد عند أهل السنة إنما هو الإيمان الذي لا يصح الإسلام إلا به كما قد ذكرناه في موضعه. بخلاف ما يذهب إليه المخالفون فعندهم الإيمان إنما هو الواجب الذي دون الركن. وقد تم إيضاح ذلكم الخطأ في مظانه ليتنا لا نحتاج إلى إعادته [بقليل من القراءة]

2- نقل ابن تيمية المنقول . إنما لأهل السنة وليس للقائلين بعدم ركنية عمل الجوارح...
قال شيخ الإسلام رحمه الله((فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد، وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه؛))الفتاوى{644/7}
فالاستدلال بهذا يشبه الاستدلال على على التثليث بصورة الإخلاص, [حاشاكم] وبيان بطلان هذا الفهم وما حل من وهم من وجوهم وهي على قسمين:
-   أدلة خارجة عن هذا السياق تبين مراد شيخ الإسلام من الإيمان الواجب وتلك التي تم توضيحها في المقالة السابقة, ولا حاجة لإعادتها, لكن نقتطف منها , يقول: -  رحمه الله - [وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله لم يخرج بذلك من الكفر فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد ] الإيمان الأوسط: مجموع الفتاوى (7/ 621), وأول النقل وآخرها كل جزء منهما حجة قائمة بذاتها على بيان مذهب شيخ الإسلام وبراءته مما ينسب إليه.
-   أدلة داخل السياق على أن المراد بالتلازم بين أصل القلب والظاهر إنما هي أعمال الجوارح, وإن كنا أكثرنا من حسن الظن بالمخالفين لكن في الحقيقة تعبنا جدا وأجهدنا أنفسنا في تلمس الأعذار فما وجدا نقلا إلا مبتورا أو محرفا تحريفا لفظيا من أدلة المخالفين حتى كدنا نصدق ما يقال فيمن لهم بعض فضل, على كل حال نذكر شيئا من ذلك:
o  أن الإمام ذكر ذلك في موضع بيان الإيمان وقد سئل سؤالا طويلا منه بيان حقيقة الإيمان.
o  أنه قال هذا بعد أن ذكر طرفا من حديث جبريل ثم قال: [وفى حديث في المسند قال الإسلام علانية والإيمان في القلب فأصل الإيمان في القلب ] فهذا محل بيان لتفاصيل الإيمان.
o  قوله: [فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد] هذا لا يعني أن البقية فرع عليه وأنه لا يلزم وإلا للزم القائل بهذا أن يقول بخروج عمل الجوارح عن مسمى الإيمان [وحينها نستريح], وإنما المراد أنه أول ما يقع في القلب, كما أن أول شيء يقع هو التصديق ثم يندرج بعده أعمال القلوب التي تذعن المرء للإقرار بالشهادتين ثم العمل, وإنما هذا الوهم من جنس الوهم الذي وقع فيه المنكرون على أبي محمد المروزي عندما قال إن أصل الإيمان التصديق بالله, فقالوا: هذا إرجاء, وفي الحقيقة إن هذا صحيح في الجملة وذلك أن أول ما يقع في القلب التصديق كما سبق بيانه وليس معنى هذا أن البقية فرع يمكن الاستغناء عنهم بما لا يزول به الأصل.
o  قوله: [وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه], أي كل ما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه مقتضاه على الجوارح. والموجب أي لازم هذا الشيء أي المقتضى وإنما غر المخالف هذا اللفظ الذي يشبه حروفه حروف كلمة [الواجب], ولذلك قال [موجبه ومقتضاه]
o  أننا لو قلنا بقول الواهم بأن مراد الإمام بكلمة [بموجبه] أي الواجب – وإنا لله وإنا إليه راجعون على مصاب الأفهام – فمقتضى ذلك أن الشيخ لا يرى ما يظهر على الجوارح إلا الواجبات التي هي فوق الركن ودون المستحب .. فتأمل!
o  أن النص مقطوع من تمامه كما أنه مبتور من رأسه وسياقه فإن من تمام النص قوله [ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه وهى تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له وهى شعبة من مجموع الإيمان المطلق وبعض له], يلاحظ قوله [ وهي تصديق لما في القلب ...]. وهو موافق لكلامه وتفصيله عن حقيقة الإيمان.
o  أنه يدل على أن المراد بالأصل مع وجوب ظهور المقتضى على الجوارح هو ما القلب قوله بعد النقل السابق في ذات الفقرة [لكن ما في القلب هو الأصل لما على الجوارح]
o  ثم في الصفحة التي تليها يقول مجموع الفتاوى (7/ 645) [فإذا قال القائل هذا يدل على أن الإيمان ينتفي عند انتفاء هذه الأمور لا يدل على أنها من الإيمان[[[ قيل هذا اعتراف بأنه ينتفي الإيمان الباطن مع عدم مثل هذه الأمور الظاهرة فلا يجوز أن يدعي أنه يكون في القلب إيمان ينافى الكفر بدون أمور ظاهرة لا قول ولا عمل وهو المطلوب وذلك تصديق وذلك لأن القلب إذا تحقق ما فيه أثر في الظاهر ضرورة لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر]] فالإرادة الجازمة للفعل مع القدرة التامة توجب وقوع المقدور فإذا كان في القلب حب الله ورسوله ثابتا استلزم موالاة أوليائه ]اهــ فجعل تصديق الباطن يوجب تصديق الظاهر من القول والعمل, أكملوا بقية كلامه ففيها فقرات أخرى تدل على سبق بيانه من بتر أو تدليس أو جهل أو [وهم] وهو أحسن ما نصل إليه من الظن.
وأما قول القائل:
[والنزاع في الجزئية القادمة وهي أصل الإيمان في القلب , ما علامته في الظاهر وما هو اللازم منه؟]
وقوله: [فأنا أعتقد أن أصل الإيمان = النطق+ الإقرار+ أصل كل عمل قلبي واجب], هذا فيه خلل واضح, من حيث المنقول والمعقول.
فمن حيث المنقول: الأدلة المشهورة منها: [ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله], وغيرها مما هي العمدة في بيان التلازم بين القلب والجوارح.
ومما يدل على هذا الفهم: قول شيخ الإسلام: [وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات] الفتاوى [7\621] قبيل النقل الذي اقتبسته بورقات.
ومن حيث المعقول: من وجهين:
الوجه الأول: أن التلازم إذا كان على ثلاثة مراحل لابد من التزامن في المراحل الثلاث فإذا قلنا: ركن وواجب ومستحب, فلابد أن يكون التلازم متزامنا في المراحل الثلاث. وعند المخالفين لأهل السنة: لا يتزامن إلا في المستحب والواجب فقط, وهذا من أعجب العجاب.!
ــــ
الوجه الثاني: أن التلازم إذا كان فعلا في الباطن فلابد أن يكون من جنسه في الظاهر ما هو مثله ولا بأس بأن يكون معه ترك, وبالتالي فجعل الرجل المؤمن بقلبه من أصل أعمال القلوب من حب وانقياد واستسلام وخوف ورهبة ورغبة وتوكل وغير ذلك ثم لا يكون معه عمل ظاهر قط!
ـــــــــــــــــ
وأما قول القائل: [وأنت تعتقد أن أصل الإيمان = النطق+الإقرار+أصل كل عمل قلبي واجب+أي عمل من أعمال الجوارح فلابد من ظهوره "حتى لا يكون كافر بترك جنس عمل الجوارح"
فأنا عايز منك حد من السلف قال أن أصل ما في القلب من الإيمان = اللى إنت بتعتقده حتى يكون مسلما عندك]
وكذلك قوله قبلها : [طبعا علشان نتصور المسألة سأفترض أني أنا وانت نأخذ بقول الكفر الأصغر لمن ترك الصلاة تكاسلا لأنها خارج محل النزاع وليس الكلام عليها بذاتها حتى لا يحدث إشكال في الفهم بيني و بينك]
قلت:
هذا الكلام يدل على عدم تصور المسألة ابتداء وذلك يستبين بتبيان الاستشكال من جهتين:
1- تبيان حد ذلك العمل الظاهر الذي يكفر تاركه: على الخلاف المذكور بين السلف والخلف. والصلاة مجمع عليها عند السلف. والخلاف في المباني هل يكفر بترك الأربعة أم بالصلاة فقط أم الصلاة والزكاة وما شابه هو بذاته الذي يحده.
أن مدار الإجماع على هذا البيان كله وهو ركنية العمل, وأنه مبني من ركنين [القول + العمل] فمتى خفي أحدهم لم يصح الإيمان.
وهذا الذي حققه شيخ الإسلام قال: [
* قال : وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد
 أحدها أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر وهذا قول طائفة من السلف وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر
والثاني أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره
والثالث لا يكفر إلا بترك الصلاة وهى الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من السلف وطائفة من أصحاب مالك والشافعي وطائفة من أصحاب أحمد
والرابع يكفر بتركها وترك الزكاة فقط
والخامس بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج وهذه المسألة لها طرفان
أحدهما في إثبات الكفر الظاهر
والثاني في إثبات الكفر الباطن
2- فأما الطرف الثاني فهو مبنى على مسألة كون الإيمان قولا وعملا كما تقدم ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنا إيمانا ثابتا في قلبه بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته فهذا ممتنع ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة لا مع إيمان صحيح. )) مجموع الفتاوى ( 610 : 611 )
ـــــــــــ
وقول القائل:
[العمل الذي يظهر هو الترك للشرك فلا يسجد لصنم وهذا من لوازم أصل الإيمان ولا يسبح بغير الله مثلا..الخ
وانت قلت بأن الترك فعل
فانتبه أخي للفرق في التلازم ]
قلت: هذا من العجلة في التبيان, ومن التغمية عن الحق, فالذي دل المخالف على هذا الفهم كان ينبغي أن يبين له حقيقة هذه القضية الأصولية ومنزع الخلاف فيها وأثره, ومن تبيان ذلك النظر إلى جهتين:
1- جهة المعنى: فقول القائل – على الخلاف بين الأصوليين – [الترك فعل] فإنما المراد به [أي أنه فعل من حيث وجوده ] بشرط القصد, ولذلك يقول الزركشي في القواعد المنثورة [الترك فعل إذا قصد] أي أنه وجودي من حيث كونه يحتاج إلى نية وإرادة جازمة, ولذلك قال ابن القيم في الجواب الكافي (ص: 136)
 وأما عدم الفعل فتارة يكون لعدم مقتضاه وسببه وتارة يكون بوجود البغض والكراهة المانع منه وهذا متعلق الأمر والنهى وهو يسمي الكف وهو متعلق الثواب والعقاب وبهذا يزول الاشتباه في مسألة الترك هل هو أمر وجودي أو عدمي والتحقيق انه قسمان فالترك المضاف إلى عدم السبب المقتضي عدمي والمضاف إلى السبب المانع من الفعل وجودي]. وهو قول شيخه ابن تيمية أيضا.
2- الجهة الثانية: وهي أن الشرك يكون بالترك أيضاً, وفيه دليل على صحة إطلاق الحديث وأن ترك الصلاة من الشرك, [إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )) وبالتالي صح الأخذ بظاهر الحديث.
ورغم هذا والتفريق في الترك الذي هو العدم والترك الذي هو الفعل بمعنى أنه له وجود تفاديا لمذهب المتكلمين فيقول شيخ الإسلام في شرح العمدة (4/ 86) [وأيضا فإن الإيمان عند أهل السنة  والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة و أجمع عليه السلف وعلى ما هو مقرر في موضعه فالقول تصديق الرسول و العمل تصديق القول فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا و القول الذي يصير به مؤمن قول مخصوص و هو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة]اهــ  يلاحظ قوله [فكذلك العمل هو الصلاة] فجعل العمل الذي هو الصلاة مقابلا للقول الذي هو الإقرار. 

وأما قول القائل:
[والتحقيق عندي في هذه المسألة أنها إجتهادية مما يسوغ فيه الخلاف
لأنه لا نص فيها والله أعلم   ولا إجماع عند كلا الطرفين]
فالتحقيق – يحتاج لقراءة وضبط  لا مجرد النقل عن بعض الكتب التي فاتك بعض شبهاتها أيضا –  ولا للتكاسل, كما أن التحقيق أن هذه مسألة مجمع عليه بين أهل السنة وأن كل من قال إن العمل شرط كمال فذلك مرجئ مخالف لإجماع المسلمين المتواتر. والمجتهد فيها من جنس اجتهاد المرجئة في لي الأدلة وتحريف الآثار والنصوص.
يراجع أسباب الوهم.

والحمد لله في الأولى والآخرة
 ــــــــــــ
والنقاش في نهايته الآن.


مفاهيم ملمة لحقيقة المنَّة: [1]



مفاهيم ملمة لحقيقة المنَّة: [1]

الحمد لله وحده:
إن هذا الدين القويم له أعمدة يقوم عليها أعظمها فهم حقيقة الإسلام [من كفر بالطاغوت وإيمان بالله تعالى] وما يعين على ذلك النظر في حقيقة المنة التي منَّ الله تعالى بها على عباده.
فتعالوا ننظر سويا لبعض المعطيات المجملة التي تبصرنا بحقيقة تلك المنة:
1-   أن الله هدى خلقه إلى ما يصلح به دنياهم وهو تمييز الخير والشر في الجملة وهي ما تسمى بـ [الحجة الفطرية] ثم البقية بالاكتساب ويوفقهم الله لها [ ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ] [فطرة الله التي فطر الناس عليها ], وعند مسلم [كل مولود يولد على الفطرة]. حتى لا يستصعب الأوامر فيما بعد ويكون مؤهلا لتقبلها.
2-   ثم يرسل إليهم الرسل من جنسهم وقومهم وعلى أكمل الصفات من صدق وعزيمة وصبر وحسن بلاغ, ومعهم الآيات المعجزات, وهي ما تسمى بالحجة الرسالية. ومنه قوله تعالى: [رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة],  [وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم], [وقد أنزلنا آيات بينات].
3-   ثم  يأمره بجماع بالخير وينهى عن كل شر: { يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. وفي الحديث [لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم], وأصله عند مسلم., حتى لا يخالف فطرتهم ولا يشتد عليهم فيكون موافقا لهمتهم وفطرتهم.
4-   فإن اشتد عليهم الأمر فقد دلهم وأرشدهم إلى ما يعينهم في ذلك: فقال:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}, أي على البلاء, أو على طلب الآخرة [معالم التنزيل للبغوي] وهما من خلاف التنوع.
5-   فإن عجزوا فقد جعل الأمر والنهي مناسبا لقدرتهم وفيه قوله تعالى: [فاتقوا الله ما استطعتم] أي: جهدكم وطاقتكم. كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" [تفسير ابن كثير].
6-   فإن جهلوا وخالفوا وعصوا الله, فقد أمرهم بالتوبة ولو كانت من الكفر والشرك, {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } وقوله:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
7-   فإن قيل: إن الناس تحتاج إلى من يقوِّمُها, والاعتماد على الضمير الذاتي دونما مقومات خارجية أو وازع خارج سيفيدهم نعم لكن لن يخلق مجتمعا صالحا فإن أكثر الناس يتبعون أهوائهم!, فقد جعل الله تعالى: الكتاب حاكما يفصل بينهم يحكم به الحاكمون, وأمر الله تعالى بقيام الخلافة وطاعة الأمير ما استقام وحكم بكتاب الله تعالى, وحرم الخروج عليه إلا بحقه, وفي الكتاب حدود زواجر وجوائز رغائب وفي ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ }, وفي الحديث: " إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا " كما عند مسلم, وقيده بقوله: [إنما الطاعة في المعروف] في الصحيح, وفي رواية: [ إن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله ].
 [الصورة مختارة ومداومة التصديق عند انتهاء كل قراءة ليس على السنة].
والله تعالى أعلى وأعلم.

الاثنين، 11 مارس 2013

أسباب وهم النافين لركنية العمل.


نظرات سريعة في [علاقة العمل بالإيمان]


الحمد لله وحده:
رغم أن هذه المسألة قتلت بحثا لكن لا بأس أن أذكر بعض الأوهام عند القائلين إن العمل [بالكلية شرط كمال], في نقولاتهم عن السلف.
وقبل أن نشرع في بيان تلكم الأسباب وحقيقتها فلابد من التنبيه على ما يلي:
1- أن العمل الذي هو ركن عند أهل السنة إنما هو الفرائض لا المستحبات, وهذا الذي سنناقشه في تلكم المقالة.
2-   أن المراد بكفر تارك العمل هو ذلك القادر عليه العالم به.
3- أن النصوص الواردة في هذا الباب من حديث البطاقة أو الشفاعة وما شابه فيها ليس في محل النزاع أصلا لأمور:
a. إما لكونها حالات عين أو في حالات مخصوصة. كما وقع في حديث البطاقة وقول ابن مسعود [تنفعه لا إله إلا الله], وهم قوم آخر الزمان عند اندثار العلم ودلت عليه أدلة أخرى.
b. أو لعجزه كالذي يسلم ويموت بعدها [كما ذكر شيخ الإسلام في شرح العمدة] وكذلك المكره وما شابه.
c.  كما أن من النصوص ما لم يستدل بها أحد من السلف على شهرتها ابتداء وما قد يقع فيها من إلزامات مكفرة لا يلتزمها المخالف كما في حديث الشفاعة, وهي أنه يلزمه أن يقول بقول الكرامية [إن الإيمان هو القول فقط من غير تصديق ولا عمل من أعمال القلوب ولا الجوارح].
d. أن هذا المقال ليس في مناقشة الأدلة لكنه في محل بيان الوهم الحاصل وأسبابه في نقل الأقوال عن أهل العلم سلفا وخلفا. ويحتاج بيان وتجلية أدلة هؤلاء إلى مقام أوسع مجالا, وليس هذا مرادنا هنا.
e. الاقتصار على بيان أوهام المخالفين لركنية عمل الجوارح في نقل الآثار وأسباب خطئهم.

فنقول مستعينين بالله:
الوهم الحاصل في عدم فهم الإجماع على كفر تارك عمل الجوارح :
[وهذا من حيث الإلزامات مع جلاء المعنى ]
[1]- عدم فهم قضية الإرجاء وحصرها على من اعتقد أن العمل خارج عن مسمى الإيمان. وسبب هذا:
- استعمال النصوص الواردة في الرد على غلاة المرجئة. رغم أن ثمة تفريق بين المرجئة وغلاتهم حتى في الأحكام, ولعله يدخل فيه ما رواه عبد الله بن أحمد في السنة عن وكيع  يقول: " قد قالت المرجئة: الإقرار بما جاء من عند الله عز وجل يجزئ من العمل، وقالت الجهمية المعرفة بالقلب بما جاء من عند الله يجزئ من القول والعمل وهذا كفر " السنة لعبد الله بن أحمد (1/ 231)
- عدم الجمع بين الآثار السلفية الأصيلة. [وعدم الجمع أصل كل ضلال وما ضل أحدهم في مسألة إلا وله نصيب من عدم جمع الأدلة] ومنها أخطأ كثير من في فهم كلام شيخ الإسلام سواء في مسألة ترك الصلاة أو معنى العمل الواجب. ومن ذلك ما يروى عن بعض السلف قوله: [من قال إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الإرجاء كله ] مروي عن ابن المبارك [شرح السنة], وهذا كله كلام غالب وحالة عارمة فإن إرجاء المرجئة كان يلتزم الإلزامات إلا قليلا وجماهيرهم إن لم يكن اتفاق على خروج العمل عن مسمى الإيمان, وفرق بين الحكم الغالب وبين مراعاة المستثنيات وشواذ الأفكار, ولذلك كان رد الإمام أحمد لما سأله ابنه راعى ذلك الغالب يقول عبد الله بن أحمد في السنة لعبد الله: (1/ 307)
سألت أبي عن رجل، يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولكن لا يستثني أمرجئ؟ قال: «أرجو أن لا يكون مرجئا» اهــ.
- مرجئة الفقهاء سموا بالمرجئة رغم كونهم يرون أن تارك العمل بالكلية دال على كفر فإنه لا يتركه إلا كافر. [ولذلك ذهب بعضهم إلى أن هذا خلاف لفظي والصحيح خلافه لوقوعهم في مخالفات في مناطات التكفير والاستثناء في الإيمان وبدعة خروج العمل عن مسمى الإيمان]
[2]- مظنة أن العمل الذي تركه كفر يشمل المستحبات والفرائض, والحق المجمع عليه أن المراد هو الفرائض, ومن الردود العاجلة عليها:
- أن هذا مخالف للمعقول والمنقول. فكيف يقال: إن رجلا لم يعمل مستحبا واحدا؟
- الإجماع منعقد على أن الله لم يخلق شرا مطلقا قط. [ فلا يمكن أن تجد كافرا إلا وعمل خيرا من الخيرات وإن لم يقبل منه ], ولذلك ذهب الجماهير من أهل العلم على أن من أسلم بعد كفر بدلت سيئاته حسنات وفيها نص,  فإن كان هذا حتى في الكفار فالمسلم أولى بألا يعدم من خير.
- بسبب استحالة تلك الحالة الخيالية ذهب بعضهم إلى أن هذه المسألة لا حقيقة لها في الواقع, وبالتالي المسألة سائغة, وذلك لكونه لم يفهم حقيقة النزاع بين السلف وغيرهم.
- القول بالعنصر السابق: هو سب في الحقيقة للسلف, كيف يبنون دينا وعقيدة وشعارا للسنة على مسألة غير واقعة ؟
-  أن ثمة تفريق بين الإسلام الحكمي والإسلام الحقيقي, وأنه إذا أطلق الإسلام الحقيقي فمراده الإسلام الظاهر.
[3]- الإجماعات واضحة جلية منها:
- ما رواه عبد الله بن أحمد عن سويد بن سعيد الهروي قال سألنا سفيان بن عيينة عن الإرجاء فقال يقولون الإيمان قول ونحن نقول الإيمان قول وعمل والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله مصرا بقلبه على ترك الفرائض, وسموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم, وليس بسواء لأن ركون المحارم من غير استحلال معصية وترك الفرائض متعمدا من غير جهل ولا عذر هو كفر)) السنة لعبد الله بن أحمد [1\347].
ويلاحظ في ذلك:
 1- خروج  كل من : غير القادر والعاجز والجهل التام.
2- تفسير العمد بالقصد والاختيار, كما يلاحظ  قوله [من غير جهل]. [ومعروفة ضوابط الإعذار عند السلف من حيث الظهور والخفاء وما يتولد من عمد وإعراض أو جهل يعذر به].
3- إحلال كلمة [العمد] محل كلمة [الإصرار] فالمصر هو المتعمد لا الجاهل ولا العاجز لذلك كان الحكم في النهاية على من ترك الفرائض متعمدا من غير جهل]
4- احتجاج عبد الله بن أحمد وهو الإمام المعروف ابن إمام أهل السنة في باب الرد على المرجئة. وهو أعلم الناس بقول أبيه. وليس ذلك من باب الرواية فإن الكتاب شرط فيه السنة [السنة لعبد الله ] وما جاء بأقوال المبتدعة إلا للرد عليها, كما أن هذا إجماع لا يخالفه فيه أحد من السلف اللهم إلا من تأخر من المرجئة أو من تلبس عليه السنة بالإرجاء أو غميت عليه باجتهاد.
- قول الحميدي يوافق قول أخيه ابن عيينة, فقوله [(وأخبرت) أن ناسا يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك (فيه إيمانه) إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة. فقلت: هذا الكفر الصراح وخلاف كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعل المسلمين قال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ}.
بل هو في الحقيقة واضح البيان لكن الوهم لا يسلم منه أحد إلا معصوم, فيلاحظ فيه:
1-   أن كلمة [بالصلاة والزكاة والصوم والحج] هم المباني الأربعة المشهور فيها تكفير تاركها.
2- أن كلمة [ ولم يفعل من ذلك شيئا حتى يموت ] فعائدة على المباني الأربعة وليس [قطعا] على المستحبات أو الدين كله. وجعلها عائدة على المستحبات هو تحريف لغوي وشرعي [والوهم لا يسلم منه أحد ما شاء الله].
3- قوله [أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا] حرف العطف [أو] يفيد التنويع فلا يلزم الجمع بينهما وإنما المراد أن ما بعده يأخذ حكم ما قبله, وهو [الكفر الصراح] كما قاله.
4-   أعظم ما يدل على هذا الفهم استدلاله بقوله تعالى [ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة].

محلقات:
التعامل مع الآثار الموقوفة من جنس التعامل مع النصوص الشرعية من حيث رد المشكل للمحكم, وذلك له سبل أخصها وأشهرها أن يذهب إلى محل بيان المسألة ومناقشتها وليس للكلام المحتمل المتناثر أو ما يكون في مظان الجدل والنقاش والإلزام؟
يقول شيخ الإسلام نفسه في ذلك : [يقول شيخ الإسلام في الإيمان الكبير ضمن مجموع الفتاوى (7/ 36) [ليس لأحد أن يحمل كلام أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد. فإن كثيرا من الناس يتأول النصوص المخالفة لقوله, يسلك مسلك من يجعل التأويل كأنه ذكر ما يحتمله اللفظ, وقصده به دفع ذلك المحتج عليه بذلك النص وهذا خطأ]اهــ
** هناك ملابسات واغلوطات في النقل والفهم عن الشافعي وشيخ الإسلام وابن عثيمين المذكورين .. خاصة ابن عثيمين بسبب الشريط الذي انتشر عنه في مسألة [جنس العمل] الذي نشره ثلاثة طوائف:
1-    الذين عجزوا عن الدخول في المسألة أصلا كفعل كثير من الوعاظ وأتباعهم.
2-    المداخلة وهم رأس من أخذ يشنع به على المخالف. [أهل السنة]
3-    القائلون بأن العمل شرط كمال.
وعلى كل حال سنضرب مثالا أو أكثر على تلك الإغلوطات وعدم تتبع المحكم من أقوال العلماء:

[أ] اشتهر النقل عن شيخ الإسلام أنه من دعي إلى الصلاة فأبى قتل كافرا إجماعا, وهو قول مالك والشافعي وأحمد من المتأخرين خلافا لأبي حنيفة, فيقولون: إن تارك الصلاة ليس كافرا لكن إن دعي إليها ولم يستجب كفر وقتل كفرا. وهذا خطأ وفهم باطل في الحقيقة للأسباب الآتية:
1-  ليس في الإجماع أنه لم يكن كافرا, وإنما محل الحجة في اشتراك القائل بكفره ابتداء أو عدم كفره ابتداء على أنه إذا دعي إليها وأبى كفر [خلافا لأبي حنيفة فيرى أن يسجن حتى يصلي في المشهور عنه].
2-    لو كان هذا الفهم صحيحا فأين وقع الخلاف في كفر تارك الصلاة إذن ؟
3-  أن شيخ الإسلام: ذكر في مواضع البيان والحجة في شرح كتاب الصلاة ضمن شرح العمدة فصلا طويلا في حكم الصلاة, ورده لحجج من قال بعدم كفره في فصل كامل في شرح العمدة (4/ 77) وما بعدها فقال : [فإن قيل هذا محمول على كفر دون كفر .. - وذكر أقوالا أخرى ثم قال – [ قيل الكفر المطلق لا يجوز إن يراد به إلا الكفر الذي هو خلاف الإيمان لأن هذا هو المعنى الشرعي و لا سيما إذا قوبل بالإيمان فإنه يجب حمله على ذلك ثم لو صح هذا في بعض المواضع فهنا إنما أراد به الكفر المخالف للإيمان كما نص عليه في الحديث و كما سيأتي تفسيره إن شاء الله تعالى] ... ثم رد قول القائلين إنه كفر النعمة فقال :[ لكن الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه ]. ثم ذكر وجوها كثيرة [لغة وشرعا].

[ب] يزعم البعض أن شيخ الإسلام يرى أن العمل – الفرائض الكلية – شرط كمال وليست ركنا فيه, وهذا من جنس ما حدث مسألة في مسألة حكم تارك الصلاة وإنما هذا بسبب ضعف الاستقراء. وإنما غرهم قوله – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (7/ 621) [ومن قال بحصول الإيمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات سواء جعل فعل تلك الواجبات لازما له أو جزءا منه فهذا نزاع لفظي كان مخطئا خطئا بينا وهذه بدعة الإرجاء التي أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف والصلاة هي أعظمها وأعمها وأولها وأجلها]اهــ , وهذا من جنس ما سبق في نسبة عدم كفر تارك الصلاة له, وبيان ذلك من وجوه:
1- أن مصطلح [الإيمان الواجب] يطلق ويراد به الركن, ويطلق ويراد به الواجب الذي هو قسيم المستحب, كما يطلق الإجزاء ويراد به صحة العمل مع الإثم ويطلق ويراد به الصحة والكمال, ومثال ذلك لما نقل الشافعي الإجماع الذي ذكره عنه اللالكائي – وهو من أئمة الشافعية في القرن الرابع ينظر الأنساب للسمعاني أو اختصاره للسيوطي - في اعتقاد أهل السنة وكذا ابن تيمية في الفتاوى, قال [الإيمان قول وفعل ونية] لا تجزئ واحدة عن أختها فنفى هنا الإجزاء أي عدم الصحة. لكن هل يأثم مع هذا أم لا ؟ ينظر في كمال الأعمال الذي أتى به المرء, لكن لا يجزيه إلا الأعمال الظاهرة على الخلاف السلفي [الصلاة فقط .. أم الصلاة والزكاة أم  الأربعة معا] ؟ وهذا هو الخلاف السائغ ورجح ابن تيمية أن ترك الصلاة كفر مجردة. لكن الغالب هو استعمال الإيمان الواجب أي الذي يجزئ ولذلك تأتي في مقابلة الإجزاء وعدمه ليصير مسلما وهو محل النزاع بين المرجئة وأهل السنة, كما أنه محل النزاع بين الوعيدية [الخوارج والمعتزلة] وأهل السنة.

2- أنه قال في شرح العمدة (4/ 86) [وأيضا فإن الإيمان عند أهل السنة  والجماعة قول وعمل كما دل عليه الكتاب والسنة و أجمع عليه السلف وعلى ما هو مقرر في موضعه فالقول تصديق الرسول و العمل تصديق القول فإذا خلا العبد عن العمل بالكلية لم يكن مؤمنا و القول الذي يصير به مؤمن قول مخصوص و هو الشهادتان فكذلك العمل هو الصلاة]اهــ  يلاحظ قوله [فكذلك العمل هو الصلاة] فجعل العمل الذي هو الصلاة مقابلا للقول الذي هو الإقرار. 

4-  وهذا أهم عنصر في المعطيات لفهم محل الوهم: وهو أن الذي ينقل هذا الكلام لم يراع كلام المصنف وما قبله وما يحصل من بتر للأسف من البعض عفا الله عنهم, فانظر كلام الإمام قبلها الذي يبطل فيه قول المشترطين لكفر تارك العمل أن يترك كل الأعمال بما فيهم المستحبات, وكذلك من فهم أن المراد هو الإيمان الواجب الذي فوق الركن, يقول: -  رحمه الله - [وقد تبين أن الدين لابد فيه من قول وعمل وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤد واجبا ظاهرا ولا صلاة ولا زكاة ولا صياما ولا غير ذلك من الواجبات لا لأجل أن الله أوجبها مثل أن يؤدي الأمانة أو يصدق الحديث أو يعدل في قسمه وحكمه من غير إيمان بالله ورسوله لم يخرج بذلك من الكفر فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور فلا يكون الرجل مؤمنا بالله ورسوله مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد ] الإيمان الأوسط: مجموع الفتاوى (7/ 621)
5-  من الأدلة على أن شيخ الإسلام يستعمل كلمة الإيمان الواجب بمعنى الإيمان الركن قوله – وهذا يشترك فيه معنا سائر المرجئة ممن يعظم شيخ الإسلام – قال: [فإذا لم يتكلم الإنسان بالإيمان مع قدرته دل على أنه ليس في قلبه الإيمان الواجب الذي فرضه الله عليه ] مجموع الفتاوى (7/ 188) .. ولا يختلف أحد في هذا على أن تارك الشهادتين مع القدرة كفر تكذيب أو كفر عناد – لا يخرج عنهما -  فلا يمكن أن يقال إنه يريد بذلك الإيمان الواجب الذي هو فوق الركن!!.
وأخيرا: بمثل هذا توهم الناس في فهم كلام ابن القيم خاصة في معرض عرضه للحجج, وكذلك الشيخ ابن عثيمين لما أنكر الشيخ الكلام والولاء والبراء على مجرد مصطلح وهو جنس العمل , فأنكر الشيخ التذبذب والاضطراب لكنه لم ينكر المعنى, خاصة أنه يقول إن تارك الصلاة بالكلية كافر, وفيه مقال كتب حينها عقب اشتهار ذلك الشريط, والشيخ ابن باز لما قيل له في ذلك أجاب: أن من الأعمال ما تركها كفر ومنها ما تكرها دون ذلك, وذكرت هذا لكون هذين الشيخين حجة عند المخالفين من المنتسبين للسنة, وإلا فالحق أولى طالما ظهرت الحجة وعليها نوالي ونعادي. والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــ
عذرا: أردت التفصيل أكثر بل لم أراجعه, وكان ثمة مسائل وتفصيلات لابد من التطرق إليها , وما استطعت لكن حال بيني وبين ذلك فضيلة المؤذي صهيب بن عمرو هداه الله وأباه وتاب عليهما.
ــــــــــــــــ
كتبه أبو صهيب الحنبلي.