الأخبار

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2012

المفاهيم العشر لأسلمة دستور العصر: [مختصر مجمل]

الحمد لله رب العالمين وبعد:
بعض الحريصين على تطبيق شريعة الرحمن يسعون إلى تطبيق بعض الشعائر ظانين أن هذا يعد تطبيقا ولو تدريجيا للشريعة في ظل المرجعية الديموقراطية, ومن ناحية أخرى ترى بعض المحبين والغيورين يشترطون تطبيق الشريعة كاملة ظانين أن التدرج في التطبيق هو ذاته التدرج في التشريع وما سوى ذلك مرفوض, بينا ذهبت طائفة أخرى إلى أن التدرج جائز مطلقا وكل هذا ليس صوابا وإنما الأمر على ما سيأتي بيانه في صورة مفاهيم أو قواعد ونسأل الله القبول:
فنقول: لا يكون الدستور صحيحا إسلاميا - بغض النظر عن حكم التدرج - حتى يتم له ركنان:
1- أن يكون القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع - والسنة تبع له لاشك - فلا يشاركه غيره: فلا رأي ولا اجتهاد إلا من خلاله, أي استسلاما لأوامر الله ونواهيه فما حرمه فهو الحرام وما أحله فهو الحلال - وليس استسلاما لسلطة الشعب - وغير ذلك شرك وتشريع من دون الله. قال شيخ الإسلام: [ والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره كما ينبىء عنه قول لا إله إلا الله فمن إستسلم له ولغيره فهو مشرك ومن لم يستسلم له فهو مستكبر وكلاهما ضد الإسلام] مجموع الفتاوى (15/ 163)
2- أن توضع هذه المادة استسلاما لأوامر الله تعالى على الأقل بالجوارح, وأما استسلام القلب فهو لنجاة العبد نفسه بينه وبين ربه يقول الطبري في قوله تعالى: [ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن ] قال ما حاصله: [، فإنه يعني بـ "إسلام الوجه" : التذلل لطاعته والإذعان لأمره. وأصل"الإسلام": الاستسلام ، لأنه"من استسلمت لأمره"، وهو الخضوع لأمره. وإنما سمي"المسلم" مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه. ].تفسير الطبري (2/ 510)
3- هذان الركنان منفكان عن قضية التدرج. فسواء كان ثمة تدرج أم لم يكن فلا يصح دستور من دون هذين الركنين وهما أخص خصائص الإلوهية ومن دونهما تصير عبادة للمستسلم له, فإذا كان ائتمارا بأمر الشعب فهو استسلام له, وإذا تحقق الركنان بقي الكلام في مسألة التدرج في التنفيذ - على ما سيأتي.
4- أن ثمة فرق بين التدرج في التشريع - التقنين - وبين التدرج في التطبيق والتنفيذ. فالتدرج في التشريع - التقنين - كفر بالله والتدرج في التطبيق فالأصل فيه الظلم والحرمة وقد يجوز بشروط معلومة على ما سيأتي بيانه في العنصر الخامس.
5- أن التدرج في التطبيق الأصل فيه الحرمة والظلم لاكتمال الشرع كما في قوله تعالى:[ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .. ] وكذا لقوله: [ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ], وكذا [ ومن لم يحكم بما أنزل الله ... ].
فإذا كان القرآن:  1- مصدرا وحيدا. 2- على وجه الاستسلام لله تعالى - ثم عجز الحاكم المسلم عن تنفيذ بعض الأحكام أو الأوامر أو ترك بعض النواهي فذلك معفو عنه وذلك أن التكاليف كلها منوطة بالقدرة إجماعا كما في قوله [ فاتقوا الله ما استطعتم ] وفي الحديث [ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم].صحيح مسلم (4/ 1829)
6- أن العفو عن غير مقدور عفو مؤقت: فإذا زال العجز زال العفو وعاد الأمر حكمه على ما كان, والحكم يدور مع العلة حيث دارت. كما في القاعدة المعروفة.
7- أن المقصود بترك غير المقدور هو تأخيره [فقط] مع العمل على إزاله ذلك العارض وأن الضرورة تقدر بقدرها: كما في القاعدة المعروفة, فإذا عجز عن تكليف فلا يتعدى إلى غيره, كما فعل علي - رضي الله عنه - في حق قتلة عثمان فإنما أراد تأخير الجزاء وهو في حكم واحد ليس في عشرات المسائل.
8- أنه لا يدخل غضب الشعب وعدم رضاهم في باب الضروريات: وإنما المطلوب العدل فيهم وتأليف قلوبهم للشريعة الحاكمة فمن امتنع قوتل ومن لم يمتنع فيكفينا استسلام جوارحه وقلبه بينه وبين ربه. : [ وقد قال تعالى:{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }: كما قال ابن تيمية في جوابه على مسألة قتال التتر: [والدين هو الطاعة فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب القتال حتى يكون الدين كله لله  ] اهــ الفتاوى الكبرى (3/ 556)
9- أن هذا العفو لتمام المصلحة الشرعية المحضة وليس المتوهمة - كحياة الداعي أو رضا الشعب - وثمة فرق بيناه قبل ذلك, أي أن يكون في ترك ذلك مصلحة غالبة حقيقية ظاهرة كما في فعل علي – رضي الله عنه – فإنه خشي أن تقوم بين الناس فتنة بقتل قتلة عثمان فرأى أن يؤخر الحكم فكان الحق معه باتفاق, وكذلك كما يشرع ترك إقامة الحد في دار الحرب عند الأوزاعي وإسحاق وأبي حنيفة, [لما في ذلك من مفسدة ظاهرة فيوهن الجيش وقد يستغل شياطين الإنس والجن أن يخون المحدود – من أقيم الحد عليه – المسلمين فيفشي سرهم ويعين الكفار عليهم نقمة على الحد أو خوفا منه قبل إقامته عليه], أو كان للمسلمين حاجة للمحدود عند الشافعي. ينظر المغني: [9\7608].
10- أن المقصود بالخلافة هو حماية جناب الإسلام: الذي لو سألت عامة المتسننة عن تعريفه لقالوا من غير تردد: [ هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله ] فإذا لم يكن ثمة استسلام لله ابتداء فلاشك أن بذل الجهد فيه عبث.وتغرير بالمسلمين, ووددت أن أسترسل في بيان هذا المعنى لولا حاجة في نفسي, لكن خلاصته:
أن الاستسلام لا يكون بمجرد المشابهة أو الاشتراك في صورة الشعيرة فإن المرأة الصليبية المحافظة – الراهبة – تتعبد بالحجاب وكذلك المسلمات مأمورات وكما المسلم والقس كلاهما يتعبدان بترك اللحية, فكل منهما استسلم لمعبوده في تحقيقه لأمره, ومعلوم بالضرورة أن من وجه الصلاة – على كيفية صحيحة – لغير الله كان مشركا خارجا من الملة, فقضية الاستسلام للشعب في تشريع قانون يمنع بعض المنكرات وما شابه فما هو إلا من هذا الباب- أي الاستسلام لغير الله -, ولابد من التنبيه إلى أمور ثلاث:
1- أن محل الخطأ ليس في استخدام الشعب في الضغط إنما هو في قيامه بوظيفته كمصدر للسلطات, فأول واجب أن يثور الشعب – قدر استطاعته – على قانون [السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات], أما مسألة الضغط والمظاهرات فهذا من باب الإنكار ووسائله الأصل فيها الحل بل دل عليها فعل السلف في غير مرة. على خلاف ما يذهب إليه مرجئة الحكام اليوم.
2- أن الانتخابات ذاتها ليست محل الحكم بالكفر والإيمان بل الحكم منصب على التنصيص بأن [السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات] فهذه صفة الإلوهية التي لا يشارك - اللهَ - فيها ملكٌ ولا نبيٌ كيف تجوز للشعب؟!,, وترجمة هذا أن: الشعب إله يعبد من دون الله يحرم ويحلل (يشرع), وأما مسألة أخذ رأي الشعب في من يحكم – بكتاب الله قطعا لا بغيره – فالخلاف فيها وارد في حالة:
- توافر الركنين - الاستسلام والتنصيص على توحيد القرآن والسنة بالتبعية حاكما -.

   - ألا يجعل حكم الشعب – المسلم فقط – فرضا فإن فيه الفاسق والسفيه وصاحب الهوى والمنافق غير المعلوم.
   - وذلك كله مع اعتبار أن اختيار الشعب إنما هو من قبيل الوسائل المرجحة فقط كأن يختلف أهل الحل والعقد في اختيار أي المذكورين ليحكم بالشريعة فيكون رأي الشعب - المسلم فقط - مرجحا لأحد القولين.
3- أنه لابد من تعليم الناس معنى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت, وعدم الاكتفاء بتحسين صورته والتغني بكونه مربحا للناس - مال ووظائف - فكما فيه ذلك ففيه الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله, فليس عظمة الإسلام لكونه يتصف فيه العدل والغنى - وإن كان ذلك لازما لشريعة إلهية - بل لكونه دين الله القوي المتين, بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام حوصروا في شعب أبي طالب في سنة سبع من النبوة فجاعوا وتأذوا أذاىً عظيما ولم يردهم ذلك عن دينهم ولم يجعل ذلك مصلحة شرعية أن يرضى بأن يكون ملكا عليهم يحكم بما يشاء في صورة ملك لا نبي يحكم بما أنزل الله فأبى - صلى الله عليه وسلم - ورضوا بالأذى والجوع والحصار في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا. فهذا الذي يجب أن يستبين للناس. وذلك أن العوام هوام إذا اعتقدوا أن فضله في المال والدينار والدرهم فعند انتزاعهم ذلك الخير سينقلبون على أهله ويرتدون عن دينهم إن استطاعوا ويستغل ذلك العلمانيون كما يفعلون الآن في المسلمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حاشية: استخدمنا كلمة التدرج وهي كلمة دارجة على الألسن وإن كان الأولى تركها فالتدرج يوحي ببعض المفاهيم الخاطئة وأنه يجوز أن نطعم الشعب ونسترضيهم ثم نطعمهم ثم نحببهم في الشريعة ثم نجعلهم يطلبونها حتى نموت ولا يطبق, لكن الأمر كما ذكرنا في المفاهيم السابقة, والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
والحمد لله رب العالمين.
أبو صهيب الحنبلي.

هناك تعليقان (2):

  1. أمور مهمة وضحتها استدراكا على نفس المقالة ذاتها في صفحتي بالفيس بوك وراعيت أغلبها هنا.
    ــــ
    حاشية1
    السلام عليكم: الأخ الحبيب أبو مارية التميمي أخبرني أن ثمة جملة مشكلة وهي قولي: [ فالخلاف فيها وارد على ألا يجعل حكم الشعب – المسلم – فرضا فإن فيه الفاسق والسفيه وصاحب الهوى والمنافق غير المعلوم.] وأنها قد تشتبه على بعض الإخوة. جزاه الله خيرا.
    ــــ
    قلت: معنى هذه الجملة محمول على تأصيلي لمعنى الاستسلام والذي ذكرت فيه ركنين:
    الأول: أن تكون المادة الموضوعة : القرآن - طبعا السنة بالتبعية فالقرآن دل على حجية السنة -.
    الثاني: أن يكون موضع المادة استسلاما لأوامر الله ونواهيه وليس استسلاما للسلطة المخولة للشعب والتي تحلل وتحرم.
    ومن ناحية أخرى أردت التفريق بين المسائل التي هي محل الكفر والإيمان وبين ما كان من الأمور الخلافية مع عدم ترجيحي, وهو اختيار الشعب وأنه يشترط له حتى يكون خلافا واردا:
    1- ألا يكون في شيء محرم سواء بـفعل منهي أو بترك مأمور.
    2- ألا يكون قوله ملزما وإنما هو من باب الوسائل التي تصلح لترجيح طرفين متساويين في الخير.
    ـــــــــ
    وقد ذكرت أن أول واجب على الشعب هو الإنكار على المادة الشركية الأصيلة وهي أن الشعب مصدر السلطات, إتماما وتذكيرا للمعنى الذي هو الأصل والمراد من مقالتي الضعيفة.

    ــــــــــــــــــــ
    حاشية2: - استخدمنا كلمة التدرج وهي كلمة دارجة على الألسن وإن كان الأولى تركها فالتدرج يوحي ببعض المفاهيم الخاطئة وأنه يجوز أن نطعم الشعب ونسترضيهم ثم نطعمهم ثم نحببهم في الشريعة ثم نجعلهم يطلبونها حتى نموت ولا يطبق, لكن الأمر كما ذكرنا في المفاهيم السابقة, والله تعالى أعلم.
    وقد استدركت بعض هذه الأمور المشتبهة في مدونتي.
    والله تعالى أعلم.
    أبو صهيب الحنبلي

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا شيخنا الجليل

    ردحذف