الأخبار

الأربعاء، 16 يناير 2013

نظرة في التوحيد وأقسامه [من شرحي على الطحاوية].

الحمد لله وحده وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.
هذامقتطف من شرحي على الطحاوية.

قال الطحاوي - رحمه الله -:(( نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله )) ثلاث مسائل :
-   الأولى : وهي في قوله (( نقول )), فهنا كأن الشيخ - رحمه الله – يشير إلى أن التوحيد لابد فيه من القول باللسان كما التصديق بالجنان, فهو يقول ذلك معتقداً إياه ولذلك قال : (( نقول في توحيد الله معتقدين )) أي حال كوني معتقداً ما سأتلوه .
-   الثانية : في قوله (( بتوفيق الله )): أي سائلاً الله – تعالى- التوفيق, والتوفيق هو طلب العون والمدد من الله – تعالى – خلافاً للمعتزلة, والجبرية, وسيأتي بيان ذلك في باب القدر – بإذن الله تعالى - .
-         الثالثة : في قوله (( توحيد الله )) ويتفرع منها :
v تعريف التوحيد : والتوحيد لغة : مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وحد يوحد، أي: جعل الشيء واحداً.([1]), وفي الشرع : إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. وقد جمع ذلك كله في قوله تعالى : {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا }([2])
v   أقسام التوحيد : الربوبية, والألوهية, والأسماء والصفات . :
§   توحيد الربوبية : وهو إفراد الله – تعالى – بالخلق والملك والتدبير, أو هو توحيد الله بأفعال الله, كما في قوله تعالى : {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}([3]), قال العلامة العثيمين : فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر،([4]) , أي أن الله – تعالى – هو الخالق – من عدم – وغيره خالق لكن ليس خلقا – من عدم – إنما تحويل من حال لحال . وكذلك في الملك والتدبير, فملك غيره مقيد ومحدود وملكه مطلق, وتدبير غيره ناقص ومقيد, بخلاف تدبيره, فهو يدبر ما في السموات والأرض,  وسيأتي بيان ذلك مفصلاً بإذن الله . وهذا النوع – من التوحيد – لم يخالف فيه المشركون قال تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}([5])
§   توحيد الألوهية : ويطلق توحيد الألوهية باعتبار, إضافته إلى الله تعالى, وهو توحيد الله بأفعال العباد, ويطلق عليه توحيد العبادة أيضاً باعتبار إضافته للعباد, وهو الذي ضل فيه أكثر الخلق, فمن أجله أرسل الرسل, قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ }([6]).
§   توحيد الأسماء والصفات : وهو إفراد الله – عز وجل – بما ثبت له من أسماء وصفات, وهو أن تثبت لله ما أثبت لنفسه وأثبته له رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تكيف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل, وسيأتي بيان هذا مفصلاً, بإذن الله – تعالى - .
  قال المصنف :
((إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ)) :

ـــــــــــــــــــ
((ش)):
قوله (( إن الله واحد )) أي واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته , والواحد اسم من أسماء الله الحسنى, قال تعالى : {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }([7]), ومثله الأحد كما في قوله تعالى : {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([8]), ولا يصح تفريق المتكلمة من كون الواحد راجع للصفات, والأحد راجع للأفعال, والصحيح أن كليهما راجع للذات والصفات فالله واحد أحد في ذاته وصفاته ( الذاتية والفعلية) .
قوله (( لا شريك له )) : أي لا يشاركه أحد في ربوبيته وألوهيته, وأسمائه وصفاته, وهي تفسير لقوله (الله واحد), وهذا أحسن تفسير لأن الإثبات مع عدم نفي الشريك, لا ينفي وجود غيره مستحق للعبودية, ولذلك كانت كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ), أي لا معبود بحق إلا الله, وركناها, نفي الألوهية عن كل ما سوى الله, وإثباتها لله وحده, وجماع ذلك في قوله تعالى : {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}([9]), قال ابن كثير : ((  أي: من خلع الأنداد والأوثان, وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده, وشهد أن لا إله إلا هو { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } أي: فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم. ))([10]).
وقد تخلف كثير من الطوائف الإسلامية والنحل غير الإسلامية عن التوحيد, بل هم أكثر الناس, كما قال تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}([11])
 وإليك بيان ذلك :
فأما شرك الربوبية: وهو اعتقاد أن لغير الله تصرفاً في الخلق أو الملك أو التدبير أو في شيء مما يختص به الله تعالى .
وقد وقع فيه كل من :
-   دهرية المشركين: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}([12]), قال ابن كثير: يخبر –تعالى- عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد([13]), وهذا لكونهم لا يؤمنون بأن الله هو المتصرف في الكون, وإنما المتصرف عندهم هو الدهر .
-   فرعون وآله وأتباعه, قال شيخ الإسلام : (( فأما من أنكر الصانع فذاك جاحد معطل للمصانع كالقول الذي أظهر فرعون ))([14]), وقال ابن كثير:  ((وكانوا يجحدون الصانع([15]) - تعالى - ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال له موسى: {إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال له: ومَنْ هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟, هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف))([16]).
-   الدهرية الطبائعية: ومن حذا حذوهم من الفلاسفة : قال شيخ الإسلام: في معرض كلامه على الفلاسفة قال: (( وهذا يطابق قول الدهرية الطبائعية الذين ينكرون وجود الصانع مطلقا ولا يقرون بوجود واجب غير العالم))([17]).
-   وهو لازم الدهرية الإلهيين : قال شيخ الإسلام : (( وأما الإلهية الدهريون الذين يقولون بقدم العالم وصدوره عن علة قديمة كابن سينا وأمثاله فهؤلاء وإن كانوا مقرين بمبدع هذا العالم فقولهم مستلزم لقول أولئك المعطلة وإن كانوا لا يلتزمون قولهم ))([18])
-   المانوية وغيرها من فرق المجوس : الذين يقولون بإثبات أصلين وهو النور والظلمة, فالنور هو خالق الخير, والظلمة هي خالق الشر. على خلاف بينهم في أزلية تلكما الأصلين([19]).
-   الاتحادية والحلولية : وهذا في حقيقة قولهم ينكرون الصانع لماذا ؟ لأنهم يقولون إن الصانع والمصنوع واحد قال شيخ الإسلام في معرض كلامه – في نقد فكرتي الحلول والاتحاد – (( وحقيقة قولهم قول فرعون الذي عطل الصانع فإنه لم يكن منكرا هذا الموجود والمشهود لكن زعم أنه موجود بنفسه لا صانع له وهؤلاء وافقوه في ذلك لكن زعموا بأنه هو الله فكانوا أضل منه وإن كان قوله هذا هو أظهر فسادا منهم .. ))([20])
-   ويدخل فيهم القدرية: وهؤلاء الذين قصدهم شيخ الإسلام بقوله " الْقَدَرِيَّةُ الثَّانِيَةُ " الْمَجُوسِيَّةُ : الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي خَلْقِهِ كَمَا جَعَلَ الْأَوَّلُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِهِ . فَيَقُولُونَ : خَالِقُ الْخَيْرِ ، غَيْرُ خَالِقِ الشَّرِّ ، وَيَقُولُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي مِلَّتِنَا : إنَّ الذُّنُوبَ الْوَاقِعَةَ لَيْسَتْ وَاقِعَةً بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَرُبَّمَا قَالُوا : وَلَا يَعْلَمُهَا أَيْضًا وَيَقُولُونَ : إنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَيَوَانِ وَاقِعٌ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ وَلَا صُنْعِهِ فَيَجْحَدُونَ مَشِيئَتَهُ النَّافِذَةَ وَقُدْرَتَهُ الشَّامِلَةَ ))([21])

* فائدة :
 ما وقع فيه أكثر هؤلاء إنما في بعض تفاصيل توحيد الربوبية لا في أصله, ٍٍقال شيخ الإسلام: ((وهذا مما لم ينازع في أصله أحد من بني آدم وإنما نازعوا في بعض تفاصيله كنزاع المجوس والثنوية والطبيعية والقدرية وأمثالهم من ضلال المتفلسفة والمعتزلة ومن يدخل فيهم ))([22]).

وأما شرك الألوهية : وهو صرف أو إشراك غير الله معه في العبادة المستحقة لله – تعالى - , من الدعاء والسؤال والصلاة وما شابه .
وفيه مسائل :
-   أن هذا النوع وقع فيه أكثر الناس, قال شيخ الإسلام : (( وأما توحيد الإلهية فهو الشرك العام الغالب الذي دخل من أقر أنه لا خالق إلا الله ولا رب غيره من أصناف المشركين كما قال تعالى وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .. ))([23]) .
-   أن أول ما وقع فيه هم قوم نوح – عليه السلام – وذلك لما رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان بين آدم و نوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فلما اختلفوا بعث الله النبيين و المرسلين و أنزل كتابه فكانوا أمة واحدة ))([24]).
-   هذا النوع وقع فيه كثير من الطوائف الإسلامية, كالاتحادية والحلولية, , والباطنية, وهؤلاء عطلوا العبادة, وجهلة المتصوفة مشايخ وعوام.
-   ويدخل فيهم سائر النحل غير الإسلامية. فيدخل فيه منكروا الصانع من باب أولى- وقد مر ذكرهم - , ويضاف عليهم, الكتابيون, - اليهود والنصارى- الذين نسبوا الألوهية لعباد من خلقه .

وأما شرك الأسماء والصفات : وهو أن يعتقد أن لله مثيلاً سواء في ذاته, أوصفاته – الذاتية والفعلية – ويقع هذا على حالين :
-         أن يصف الله بما لا يليق به – تعالى- . وهو كما فعل الحلولية.
-         أن يجعل لله – تعالى مثيلاً فيكيف صفاته كالكرامية .
-         أن يعطل الله – عما يجب وصفه به – كما وقع فيه الجهمة والقدرية ومن تبعهم .
* فائدة : ما أشرك أحد مع الله غيره إلا لوقوع خلل في معرفة الله – تعالى – وهو معرفته بأسمائه وصفاته. وسيأتي تفصيل ذلك كله بإذن الله.


([1])القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 1)
([2])[مريم: 65]
([3])[الأعراف: 54]
([4])القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 1)

([5])[لقمان: 25]
([6])[الأنبياء: 25]
([7])[ص: 65]
([8])[الإخلاص: 4]
([9])[البقرة: 256]
([10])تفسير ابن كثير (1/ 683)
([11])[يوسف: 106]
([12])[الجاثية: 24]   
([13]) تفسير ابن كثير [7 /268, 269] .
([14])الرسالة التدمرية (ص: 108)
([15]) الصانع ليس اسما من أسماء الله – تعالى -  وإنما تجوز على سبيل الخبر, فإن الله هو صانع كل شئ وخالقه وهو الذي أتقن كل شئ )) .
([16]) تفسير ابن كثير (6/138) .
([17]) مجموع الفتاوى (2/241) .
([18])الصفدية (1/ 243:242)
([19]) الملل والنحل للشهرستاني (1/ 232) وما بعدها  .
([20]): أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (ص: 82)
([21]) مجموع الفتاوى (2/213) , والقدرية الأوائل كانوا ينفون عن الله علما بما سيفعله العبد, وخالفهم متأخروا المعتزلة, فأثبتوا العلم – على طريقتهم – ونفوا عن الله خلق الشر, فشابهوا المجوس .
([22]) مجموع الفتاوى (2/ 38)
([23])مجموع الفتاوى (2/ 38)

([24])  رواه الحاكم في المستدرك (2/ 480) هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه, واقره الذهبي,

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق