الأخبار

الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012

فتنة: تغييب المصطلحات وتمييع المعاني, وأمثلة حية مريرة(ج1)



مشاهد وأنماط من أفهام مظلمة مشوَّهة (4)
[حلقات متصلة منفصلة]
فتنة: تغييب المصطلحات وتمييع المعاني, وأمثلة حية مريرة(ج1)
الحمد لله وبعد:
كنا قد تحدثنا في الأجزاء الثلاث السابقة عن مشاهد من أفهام تمثل الإسلام في أعين الناس – سواء كان عالما أو طبقة عظيمة غالبة من المقلدين أو الأتباع وإن كان بعضهم مثقفين - وتتفانى في بذل الجهد بإخلاص لترسيخ ما يظنون به أنهم يحسنون صنعا وهم في الحقيقة مسلسلون في هامات الوحل – ولا أقول في قعرها إذ لا يزال قعرها محجوزا لأهله من المنافقين نفاقا تاما لا من أدرك شعبة من شعبه أو أصابه كفر بتأويل – ولا يزال يسقطون الدَّركة تلو الدَّركة – عكس الدرجة – إذ يسيرون ويسير ورائهم الهوامُ من الأتباع والعوام يترخصون برُخَص رخيصة تسير في رَكب الجهل والظلمات والتشويه لمعالم الدين وأصوله – وإن أراد عَوامُهمُ الخيرَ – وفي هذا المقام نكشف النقاب – بإذنه تعالى - عن تلك المصطلحات والمعاني الغائبة بجهل أو تأويل – وليُنْتَبَهْ لهذَيْن القيدَيْن: الجهل والتأويل فلا أريدُ القاصدين والمنافقين نفاقا تاما فهؤلاء نفاقهم ظاهر عند كثير من المثقفين – وحتى يستقيم المقال ويتصور القارئ المعنى المقصود لابد تقرير بعض المسائل – وعلى العادة سنمر عليها مرورا لا يمل به القارئ ونعتمد على فهم القارئ بعد توفيق الله للكاتب والقارئ -:

المسألة الأولى: مصطلح الفتنة.
كلما قام بعض الغيورين بشيء قالوا: هذه فتنة, كما حدث في الثورة – الخائبة – وكما حدث في مذبحة العباسية – وإن كنا نخالفهم في رايتهم – وفي حصار الكاتدرائية, وفي مظاهرة فك أسر الأخت كاميليا من سجون الصليبيين, وكذلك في مظاهرة نصرة الشهيد – بإذن الله – سيد بلال.
فننظر إلى معاني الفتنة:
1- فتأتي بمعنى البلاء والاختبار: وهي أصل الفتنة: [ الفتنة: الامتحان والاختبار. تقول: فتنت الذهب، إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته. ودينار مفتون. قال الله تعالى: " إن الذين فتنوا المؤمنين "] الصحاح في اللغة للجوهري. ( باب فتن: 2/ 33) وليس في معنى من معاني الفتنة إلا وهو يرجع إلى هذا المعنى, وقد يكون ذلك البلاء بالخير أو بالشر  كما في قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35].
2- كما تأتي بمعنى الشرك: كما في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193], [ أي: شرك. قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم.] تفسير ابن كثير (1/ 525).
3- وتأتي بمعنى العذاب والعقاب ومنه قوله تعالى: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا } أي: عذاب وقتل] تفسير البغوي (3/ 82)
4- وتأتي في استعمال العلماء وهذا هو الذي قَصُرَ معناه عند هؤلاء – إلا ما شاء الله – وهو عدم التمييز بين الحق والباطل, كما في الحديث: [والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل, قيل كيف يكون ذلك قال الهرج, القاتل والمقتول في النار] صحيح مسلم [2980] قال الكرماني : الهرج هو الفتنة. فتح الباري (1/ 140)
فهنا محل الذم والوعيد لمن يشارك في قتالٍ قاتلا أو مقتولا لغير راية الإسلام ولغير أن تكون كلمة الله هي العليا وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر، وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال «يمنعني أن الله حرم دم أخي» فقالا: ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}، فقال: «قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله»، صحيح البخاري (6/ 26), فانظر يرحمكم الله ماذا اختار الجليل ابن الجليل؟ لقد اختار ألا يقاتل إلا في سبيل الله وحده.
ولاشك أن الحق كان مع ابن عمر ومن معه من أكابر الصحابة في ترك الفتنة كسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة, وقد ميزوا فيه الحق من الباطل, وهو ترك القتال الذي وصفه ابن عمر بكونه – ليكون الدين لغير الله -. رغم أن هؤلاء كانوا مبايعين لعلي – رضي الله عنهم جميعا – لكنهم فرقوا بين البيعة والقتال وذلك أنهم يقاتلون في سبيل الله وفيما تكون به كلمة الله هي العليا فإن طاعته مقيدة على جلالة علي – رضي الله عنه – وعلمه وفضله بل كان أفضل مَنْ على وجه الأرض في ذلك الحين.!
قال شيخ الإسلام: [ وأما أهل الجمل و صفين فكانت منهم طائفة قاتلت من هذا الجانب و أكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب و استدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي - صلى الله عليه و سلم - فى ترك القتال فى الفتنة و بينوا أن هذا قتال فتنة] مجموع الفتاوى (35/ 55)
فما علة وصفكم لقتال الكفار المحاربين بالفتنة؟ فإن لم يكن فالعدة؟
فإن لم يكن ذلك فما علة وصفكم للمظاهرات والإعتصامات - التي تقام لنصرة الدين أو فك الأسير – بالفتنة؟
أغمي عليكم فيها الحق من الباطل؟
أيهما أشد الفتنة أم القتل؟  (والفتنة الشرك).

وغير ذلك من تساؤلات لا تحتملها وريقات وقد اشترطنا الاختصار حتى لا يمل القارئ وللقارئ أن يتسائل بدوره.
خاتمة:
سؤال: أي دين هذا أهو المصلحة الشرعية أم المصلحة الشخصية؟
سؤال يحتاج إلى مقال!
نجيب عليه بإذن الله في المقال القادم ضمن أخواته من المصطلحات الغائبات لفظا أو معنى.
والله حسبنا ونعم الوكيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكتبه: أبو صهيب الحنبلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق