الأخبار

الاثنين، 15 أكتوبر 2012

مشاهد وأنماط من أفهام مظلمة مشوَّهة (ج3)



مشاهد وأنماط من أفهام مظلمة مشوَّهة (3)
[حلقات متصلة منفصلة]

أهو أدب الخلاف أم فن الإرجاء والاعتزال والإرجاف؟

الحمد لله وحده وبعد:
كنا قد تحدثنا في المقاليْن السابقيْن - في جزئين متتابعين – عن مشاهد من أفهام تحسب أنها تحسن صنعا, وهي في الحقيقة تضر الدين وتطبق شريعة طواغيت العالم الساعية لتحريف معالم الدين وأصوله, وضربنا مثالين على هؤلاء:
1- ففي المقال الأول: روينا قصة المناظرة المحرِّف للحقائق الشرعية - إرضاء للصليبيين - في الغرفة النصرانية.
2- وفي المقال الثاني: ذكرنا قصة هؤلاء الحريصين الذين نشروا أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – حينما سبه الكفار المحاربون.
وفي هذا المقال – المستقل – نكشف النقاب – بإذنه تعالى – عن حالة إرجائية إرجافية اعتزالية دقيقة خفية تتزي بزي السماحة والعلم بالخلاف والحكمة واعتبار الواقع – الذي لا يعرفه أكثرهم حقيقة - تبهر عقول العامة بآثار صحيحة أغراضهم فيها قبيحة.
فتروي عن الأئمة في ذلك دررا عن أدب الخلاف وتسامح الأئمة فيما بينها, والأدب حق في كل شيء لكن لنا تساؤلات تنبثق من فهم معنى الخلاف:
1-   هل كل خلاف لا إنكار فيه؟
2-   ما تفسير الآيات الدالات على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
3-   متى نغضب لله ومتى لا نغضب؟
وفي الحقيقة: إجابة هذه التساؤلات كلها واحدة جملة تغني عن الإكثار, وقبل مناقشة تلك التساؤلات, أريد أن أنوه عن ملاحظتي لما قد يتبادر إلى ذهن القارئ من تساؤل, ألا وهو:
ما وجه وصفهم بالإرجاء والإرجاف والاعتزال مع تناقضها؟

والجواب:
أنبه بداية على أنه لا يلزم بمن نتهمه ببدعة أو مخالفة أن يكون قد جمع خصال البدعة أو انتمائه لطائفة مبتدعة ما, لكن قد يكون ذلك الوصف واقعا على مسألة أصيلة شارك فيها تلك الطائفة.
فوجه وصفهم بالإرجاء الخفي: فذلك باعتبار المآل فلا يزالون يدندنون في كل أمر بمعروف أو نهي عن منكر بأدب الخلاف, حتى يضيع تعظيم شعائر الله في قلوب الناس وجوارحهم, فإذا كان كل خلاف لا يجوز فيه الإنكار, إذن سقط الدين, وضاع العمل تباعا.

وأما وجه وصفهم بالإرجاف – والذي أصله الاضطراب والحركة ويستخدم في القرآن بمعنى إخماد همة المسلمين وجهادهم: فذلك تبعا للوصف الأول – وإن كان كثيرا من مرجئة المتقدمين – نسبة لهم – كانوا أكثر وأشد نخوة من هؤلاء وحرصا على دين الله كما مرجئة الفقهاء وبعض من تأثر بالأشاعرة والماتريدية – وذلك أنهم إذا قيل لهم: هذا كفر وشرك, وذاك تشريع من دون الله, قالوا: دفعا للمفاسد, فأي المفاسد فضيلتكم؟ قالوا: حرمة الدماء, فيشيعون ذلك بين الناس حتى تشربه مريدوهم, إذن سقط الجهاد إذ الجهاد كله دماء, وأي دماء أعظم من الشرك؟!

وأما وجه وصفهم بالاعتزال: وذلك أنهم أضفوا - بأفعالهم – على مسائل الدين الظنية والشك وعدم القطعية إلا في مسائل قليلة – وإن كان من الصعوبة تحديدها – فصاروا كالمعتزلة جعلوا الدين أصولا وفروعا والأصول هي ما كانت قطعية الدلالة والنظر, والفروع ما دون ذلك. وما كان غير قطعي الدلالة فليس لله فيه حكم في الباطن إنما حكمه في كل مجتهد فيما أداه إليه اجتهاده, وهو قول أبي الهذيل العلاف المعتزلي ومن تبعه كأبي علي الجبائي وابنه. خلافا لأكثر معتزلة بغداد (الفتاوى لابن تيمية 19| 205).
ونعود لتساؤلاتنا نمر مرورا سريعا:

1-   هل كل خلاف لا إنكار فيه؟
2-   هل الغضب لله عصبية مذمومة؟
3-   ما تفسير الآيات الدالات على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
وكنا قد ذكرنا أن الإجابة لتلكم التساؤلات واحدة لا يعرف هؤلاء جوابها إلا من حيث الكلام النظري المجرد المعطل عن التوظيف الواقعي, ولست أريد بقولي هؤلاء الذين يسكتون ولا يضرون, ويجلسون في بيوتهم لا يقولون الباطل, فالسكوت عن الحق أفضل من التكلم بالباطل وها أنا ذا أتكلم من خلف الشاشات أجلس في بيتي (قاعدا) لا أنفع أهل الثغور إلا بثرثرات قد يصفق لها الغيورون – تشجيعا - ويتجاهلها المخالفون, وإنما مرادي بهؤلاء الذين يدافعون عن الباطل ويصبغونه الصبغة الشرعية باسم أدب الخلاف, ولستُ حجة لكن إنما لبيان مرادي فكيف أنهى عن شيء وآتيه وإن جاز خلافا للمعتزلة؟!.
وجوابي سيكون بنقل واحد دون تعليق أو تقرير وسأعتمد على فهم القارئ بعد توفيق الله حتى لا أطيل الجواب وإلا فالكلام ذو شجون:

هل كل خلاف لا إنكار فيه؟
يجيب عن ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 288)
قال: [وقولهم إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا إن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقص حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا ]اهــ

هل الغضب لله عصبية مذمومة؟
يجب عن ذلك ربنا تبارك وتعالى إذ يقول لنبيه – صلى الله عليه وسلم –
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73]
روى غير واحد عن أبي سلمة – رضي الله عنه - أنه قال : [ لم يكن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منحرفين ولا متماوتين ، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم ، ويذكرون أمر جاهليتهم ، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه دارت حماليق عينيه كأنه مجنون] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وأحمد في الزهد والبخاري في الأدب المفرد.

ماذا نفعل بالآيات الدالات على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

أي ما هو المعروف حتى نثبته وما هو المنكر حتى ننكره أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا؟
يجيب عن ذلك شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط (ص: 297)
يقول: [لعل حال كثير منهم يكون أسوأ من حال من يأتي بتلك العادات المشتملة على نوع من الكراهة بل الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه فلا ينهى عن منكر ولا يؤمر بمعروف يغني عنه كما يؤمر بعبادة الله وينهى عن عبادة ما سواه ]اهــ

حقيقة اللبس الذي وقع فيه هؤلاء والصواب في ذلك:

قال ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 288) [
[وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم.
والصواب ما عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به الاجتهاد لتعارض الأدلة أو لخفاء الأدلة فيها وليس في قول العالم إن هذه المسألة قطعية أو يقينية ولا يسوغ فيها الاجتهاد طعن على من خالفها ولا نسبة له إلى تعمد خلاف الصواب والمسائل]اهــ

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس فتنة إنما الأمر بالاستطاعة:

يجيب عن ذلك شيخ الإسلام في كتابه الماتع الاستقامة (1/ 41)
[وكثير من الناس قد يرى تعارض الشريعة في ذلك فيرى أن الأمر والنهي لا يقوم إلا بفتنة فإما أن يؤمر بهما جميعا أو ينهى عنهما جميعا وليس كذلك بل يؤمر وينهى ويصبر عن الفتنة كما قال تعالى: {وأمر بالمعروف وانه عنه المنكر واصبر على ما أصابك}
وقال عبادة بايعنا رسول الله ص على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيث ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم فأمرهم بالطاعة ونهاهم عن منازعة الأمر أهله وأمرهم بالقيام بالحق]اهــ

مثال سريع:
اختلق الإعلام العلماني الكفري هيئة هزيلة لا تعرف معروفا وتحسن المنكر باسم – جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – فاضطر عامة المنتسبين للالتزام إلى التبرؤ من تلك الأفعال ويريدون بذلك الإنكار الباطل حتى تطور الأمر إلى أن قام بعضهم بنشر صورة مكتوب عليها – لو لقيت أي واحد بدقن (هكذا!) أو أي وحدة منقبة(هكذا!) بيقولك: لابسة ليه كده اقعلي اللي فرجلك واديها وصوتي ولمي الناس عليهم وقولي أمن دولة.
أليست هذه هي الديموقراطية بعينها, أتأمرون بالمنكر وتنهون عن المعروف حتى وإن قصدتم فضح مجرمي أمن الدولة؟
يقول تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } [التوبة: 67]
هلا قلت: إذا أمر هذا أو هذه بمعروف فأتمر به وإذا أمر بمنكر فأعصه فإن الأمر كله لله؟

أقول: فإذا كان الأمر بالمعروف فتنة والجهاد إرهابا وخلاف الأولى والحق تشددا والغضب لله تعصبا فأي تطبيق لخطة السلام العالمي أفضل من ذاك؟
سؤال: ما حقيقة الغضب العارم من ملتزمي اليهود على الماسونية والسلام العالمي؟
سؤال يحتاج إلى مقال!

والحمد لله في الأولى والآخرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبه: أبو صهيب الحنبلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق