الأخبار

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

فتح الخبير في مختصر قواعد التكفير



مختصر في قواعد التكفير.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبي الله محمد وآله وصحبه وسلم, ثم أما بعد:
فهذا مختصر لقواعد التكفير وهو مقتبس من شرحي على نواقض الإسلام نوضح فيه ما قواعد التكفير عند أهل السنة خلافا للمرجئة والخوارج – بإذن الله – مع الاختصار وهو في نقاط:
1-    أن الكفر لغة: يطلق على الستر والتغطية, وشرعا: هو ضد الإيمان إِلا أَن الكفر في الشرع, كفران: إِذ يَرِدُ الكفر في النصوص مرادا به أَحيانا الكفر المخرج عن الملة، وأَحيانا يُرادُ به الكفر غير المخرج عن الملة.
2-     أَن للكفر شُعَبا كما أَن للإِيمان شُعَبا, منها: ما يوجب الكفر الأكبر، ومنها ما هي من خصال الكفَّار, قال شيخ الإسلام: [ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير بها كافرا الكفر المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير بها مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان وحقيقته ]([1]), وقال ابن القيم: [ وكذلك الكفر ذو أصل وشعب فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة من الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والصدق شعبة من شعب الإيمان والكذب شعبة من شعب الكفر والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر والمعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان ]([2])
3-             أن الكفر من حيث ما ينقل عن الملة وما لا ينقل عنه, نوعان:
a.  كفر أَكبر مخرج من الملة، ويسمى الكفر الإعتقادي: وهو ما يناقض الإِيمان ويُبْطِل الإِسلام، ويوجب الخلود في النار، ويكون بالاعتقاد والقول والفعل والترك، وينحصر في خمسة أَنواع:
                 i.   كفر التكذيب: هو اعتقاد كذب الرسل، أَو ادعاء أَن الرسول جاء بخلاف الحق، أَو مَن ادعى أَن الله حرم شيئا أَو أَحلَهُ مع علمه أَن ذلك خلاف أَمر الله ونهيه.
                ii.   كفر الإِباء والاستكبار مع التصديق: وذلك بأن يقر أَنَّ ما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم - حق من رَبِّه، لكنه يرفض اتباعه أَشرا وبطرا واحتقارا للحق وأَهله؛ ككفر إِبليس فإِنَه لم يجحد أَمر الله ولم ينكره، ولكن قابله بالإِباء والاستكبار.
               iii.  كفر الإِعراض: بأَن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه، ولا يعاديه، ولا يصغي إِليه البتة، ويترك الحق لا يتعلَمه ولا يعمل به، ويهرب من الأَماكن التي يذكر فيها الحق؛ فهو كافر كفر إِعراض.
               iv.   كفر النفاق: وهو إِظهار متابعة ما جاء به الرسول مع رفضه وجحده بالقلب؛ فهو مظهر للإِيمان به مبطن للكفر.
                v.   كفر الشك: بأَن لا يجزم بصدق النَّبي ولا كذبه؛ بل يشك في أَمره، ويتردد في اتباعه، إِذ المطلوب هو اليقين بأَن ما جاء به الرسول من رَبِّه حق لا مرية فيه، فمن تردد في اتباعه لما جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم - أَو جوَّز أَن يكون الحق خلافه؛ فقد كَفر كُفر شكّ وظن.
وهذه الأَنواع من الكفر، موجبةٌ للخلود في النَّار، ومحبطة لجميع الأَعمال، إِذا مات صاحبها عليها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}([3]) وقال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([4])
b. كفر أَصغر غير مخرج من الملة: أَطلقه الشارع على بعض الذنوب على سبيل الزجر والتهديد؛ لأَنَها من خصال الكفر، وما كان من هذا النوع فمن كبائر الذنوب، وهو مقتض لاستحقاق الوعيد دون الخلود في النار، ومن الأَمثلة على ذلك: قتال المسلم، والحلف بغير الله تعالى، والطعن في النسب، والنياحة على الميت، وقول المؤمن لأخيه المؤمن يا كافر. . إِلى غير ذلك، قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}([5]) ([6])
3.  أن التكفير حق خالص لله – تعالى – لا يعرف إلا بنص أو إجماع, قال شيخ الإسلام: [ وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال هي كفر, قولا يطلق كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية, فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم ]([7]) وفي الحديث: (( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )) قال ابن عبد البر: [ وفائدة هذا الحديث النهي عن تكفير المؤمن وتفسيقه قال الله عز و جل {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ}([8]) فقال جماعة من المفسرين في هذه الآية هو قول الرجل لأخيه يا كافر يا فاسق. وممن قال بذلك عكرمة والحسن وقتادة, وهو معنى قول مجاهد لأنه قال: هو الرجل يدعى بالكفر وهو مسلم ]([9])
4. وعلى ذلك فلا يجوز التكفير على سبيل المقابلة والعقاب, قال شيخ الإسلام: [ فلهذا كان أهل العلم و السنة لا يكفرون من خالفهم و إن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه و تزني بأهله لأن الكذب و الزنا حرام لحق الله تعالى و كذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله ]([10])
5. أنه كما لا يجوز التكفير بغير حق كذلك لا يجوز إدخال كافر دائرة الإسلام بغير حق, وذلك راجع إلى كونه حقا خالصا لله جل في علاه – كما تقدم وحق الله لا يجوز التهاون فيه, وفي قوله: (( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما )) فيه دلالة على أن التكفير بحق مشروع ولا يدخل في المنهي عنه, وكذلك في قوله تعالى: {قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }([11]) فيه تكفير الله تعالى لهؤلاء القوم الذين استهزئوا, وكذلك ما ثبت من تكفير الصحابة من بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – كما كان في حرب الردة المشهورة, وكذلك تكفير الشافعي – رحمه الله – للهالك حفص الفرد وكان من أصحاب ضرار بن عمرو, فقال له: كفرت بالله العظيم([12]) بل إن الفقهاء قد أفردوا بابا لأحكام الردة خاصة, وما أحسن قول الجويني عندما سئل عن الخوارج فقال: تكفير المسلم وإدخال كافر الإسلام عظيم.
6. أنه كما الإيمان درجات فكذلك الكفر درجات وإن اشتركا في أصل الكفر. ومن ذلك: أن المنافقين في الدرك الأسفل وهم أشد كفرا, قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}([13]), ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}([14]), ومنه أيضا قوله:{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا }([15]) قال ابن كثير: [ أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد ]([16]), ويقول شيخ الإسلام: [ وهذا الحكم يشترك فيه جميع أنواع الكفار والمرتدين وإن تفاوتت درجاتهم في الكفر والردة فإن الله أخبر بزيادة الكفر كما اخبر بزيادة الإيمان بقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}, وتارك الصلاة وغيرها من الأركان أو مرتكبي الكبائر كما أخبر بزيادة عذاب بعض الكفار على بعض في الآخرة بقوله {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ }]([17])
7. حتمية التفريق بين المسائل المكفرة الظاهرة وبين المسائل المحتملة الكفر, وذلك أن من المسائل ما يكون ظاهرا لا احتمال فيه, وقد يكون محتملا لأوجه, فإذا كان من المسائل المكفرة غير المحتملة لم يحتج لاستفسار على القصد, وإذا كان محتملا لأوجه احتيج لمعرفة مراده ولا يحكم بالكفر ابتداء, ولذلك قال شيخ الإسلام في معرض رده على قول إنه لا يكفر إلا الساب: [ وقول القائل: أنا لا أصدقه في هذا لا يستقيم فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل ]([18]), ومنه قول الشافعي عند ذكر حديث حاطب بن أبي بلتعة: [في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكا في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام واحتمل المعنى الأقبح كان القول قوله فيما احتمل فعله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ]([19])
8. عدم التلازم بين أحكام الدنيا وأحكام الآخرة, ومعنى ذلك أنه لا يلزم من إيقاع الكفر على أحد أن يكون كافرا في الآخرة, وذلك لأن الإيمان الظاهر الذي تجرى عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة ]([20])
9. أن التكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين: قال شيخ الإسلام: [وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع كلما رأوهم قالوا من قال كذا فهو كافر اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين وان تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه  ]([21])
10.  أن عدم قصد القول أو الفعل ((مانعا)) من التكفير وهو ما يسمى بالخطأ سواء كان في المسائل العلمية أو العملية, ومن ذلك قوله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}([22]), ومنه حديث الرجل الذي فقد دابته في أرض فلاة فلما وجدها قال: (( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ))([23]) قال شيخ الإسلام: [ وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية ]([24])
11.  أنه لا اعتبار لعدم قصد الكفر, وذلك أن الكفر لا يستلزم قصد الكفر كما لا يستلزم كفر الباطن – كما تقدم قريبا – وإلا للزم القائل بهذا ألا يرى إبليس كافراً إذ ما قصد الكفر إنما أبى واستكبر, بل حتى اليهود والنصارى وسائر المشركين يظنون أنهم على الحق, ومن أدلة ذلك: قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }([25]), فكفرهم دون اعتبار قصد اللعب والخوض المجرد عن قصد الكفر, قال الشوكاني في تفسير الآية: [ثم قال : { لاَ تَعْتَذِرُواْ } نهياً لهم عن الاشتغال بالاعتذارات الباطنة ، فإن ذلك غير مقبول منهم ]([26]), ويقول شيخ الإسلام تقريرا لهذه القاعدة: [ وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر كَفَرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ]([27])
12.  ضرورة التفريق بين المسائل الظاهرة والمسائل الخفية, فأما الأُولَى فحدُّها: التي لا تخفى على سواد المسلمين عامتهم وخاصتهم ومُثِّل لها بوجوب الصلاة, وأما الخفية فهي التي تخفى على أكثر الناس مع عدم التمكن من تعلمها لا فرق بين الأصول والفروع, قال الشافعي: فقال لي قائل: ما العلم وما يجب على الناس في العلم؟ فقلت له: العلم علمان علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله. قال ومثل ماذا. قلت: مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا. وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع. قال فما الوجه الثاني؟ قلت له: ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص به من الأحكام وغيرها مما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثر نص سنة وإن كانت في شيء سنة فإنما هي من أخبار الخاصة ولا أخبار العامة وما كان منه يحتمل التأويل ويستدرك قياسا]اهـــ([28]), وقال شيخ الإسلام في معرِض ذكره فضل أهل الحديث ومقارنتهم بأهل الكلام والبدع: [ وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي تعلم العامة والخاصة من المسلمين أنها من دين المسلمين بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمدا بعث بها وكفر مخالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين والشمس والقمر والكواكب والأصنام وغير ذلك فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل أمره بالصلوات الخمس وإيجابه لها وتعظيم شأنها ومثل معاداته لليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك, ثم تجد كثيرا من رؤسائهم وقعوا في هذه الأمور فكانوا مرتدين وإن كانوا قد يتوبون من ذلك ويعودون إلى الإسلام ]([29])
13.  أن الخلاف – في مسألة ما - مانع من تكفير المعين, وهذا يشبه القاعدة التي ذكرناها سابقاً وهو لا تكفير باحتمال, كما تشبه قاعدة العذر بالخطأ والتأويل, إلا أن وجه استقلال القاعدة في نظر الحاكم ذاته لا في مجرد الفعل مما يضفي الاحتمالية من جهة أخرى, قال القسطلاني عند شرح حديث (( إلا أن تروا كفرا بواحا )) قال: [ (كفرًا بواحًا) بفتح الموحدة والواو والحاء المهملة ظاهرًا يجهر ويصرح به (عندكم من الله فيه برهان) نص من قرآن أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل]([30]), ولا يعني ذلك أنه يلزم من تكفير أحد أن يجتمع الناس على تكفيره وإلا لما كفر أحد قط وإنما ذلك يرجع لكون الكفر لا يكون إلا بنص أو إجماع صحيح كما تقدم فما اختلف الناس في كونه كفرا أم لا فهو مانع من التعيين إلا إذا باح الوالج في الكفر بكفره حتى لم يعد مشتبها ولا يلزم قصد الكفر بل المقصود دفع الاشتباه والتأويل كما تقدم.
14.  لابد من انتفاء الموانع وثبوت الشروط عند التكفير: وذلك أن الذي عليه علماء أهل السنة والجماعة أنَّ موانع التكفير أربعة: ((الجهل، والخطأ، والتأويل أو الشبهة، والإكراه))، فمن وقع في كفرٍ عملاً أو قولاً ثم أقيمت عليه الحجة وبُيِّن له أنَّ هذا كفرٌ يخُرج من الملة فأصَرَّ على فعله طائعاً غير مُكْرَهٍ ، متعمّداً غير مخطىءٍ ولا متأوّلٍ فإنَّه يكفر ولو كان الدافع لذلك الشهوة أو أيّ غرضٍ دنيويٍّ]([31])
15.  ضابط العذر بالجهل في المسائل الظاهرة والخفية سواء في المسائل العلمية أو العملية: -
a. أن يكون عليه غالب الناس. قال السيوطي: ((كل من جهل شيئاً مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام , أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك))([32]) , وذكره ابن قدامة - أيضاً - وقال: ((ولا أعلم في هذا خلافاً))([33])
b. ألا يكون مفرطاً في طلبه , قال ابن اللحام الحنبلي: ((جاهل الحكم إنما يعذر إذا لم يقصر ويفرط في تعلم الحكم أما إذا قصَّر أو فرَّط فلا يعذر بجهله))([34])
c. أن من قصر عن هذين الشرطين كان كافراً كفرَ إعراض , قال ابن القيم: ((وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة))([35])
16.  أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد أو الترك كما أن الإيمان يكون بالقول والفعل والاعتقاد (ويدخل الأمر بالنهي في العبادة فهو من جملة الأوامر وعلى ذلك يصح أن يقال والترك), وهذه القاعدة تتفرع على القاعدة السابقة: أن الكفر أصول وشعب, ومعنى ذلك: أن الكفر كما يكون بالقول كذلك بالفعل ويكون أيضا بالاعتقاد وكذا بالترك ولا يشترط الجمع بينهما خلافا للمرجئة الذين يجعلون الكفر لا يكون إلا بالاستحلال, ومن استقرأ كلام السلف وجد ذلك مجمعا عليه, قال القاضي أبو يعلى في المعتمد : من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله فإن قال : [ و لم أستحل ذلك ] لم يقبل منه ظاهر الحكم رواية واحدة و كان مرتدا لأن الظاهر خلاف ما أخبر]([36]) وسئلت اللجنة الدائمة عن أحكام الردة القولية والفعلية فقالت: [ الردة هي الكفر بعد الإسلام، وتكون بالقول، والفعل، والاعتقاد، والشك،.]([37]), وفي ردها على استفتاء مستفتٍ عن كتاب (( إحكام التقرير في أحكام التكفير )) فكان ضمن كلامها: [ وقد هدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الحق والمذهب ، والاعتقاد الوسط بين الإفراط والتفريط : من حرمة عرض المسلم ، وحرمة دينه وأنه لا يجوز تكفيره إلا بحق قام الدليل عليه .وأن الكفر يكون بالقول والفعل والترك والاعتقاد والشك . كما قامت على ذلك الدلائل من الكتاب والسنة ]([38]), وقد وقع على هاتين الفتوتين الشيوخ: عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز //.([39])
والحمد لله في الأولى والآخرة.

([1])اقتضاء الصراط (ص: 70)
([2])الصلاة وحكم تاركها (ص: 70)
([3]) سورة البينة (آية 6)
([4]) سورة الزمر (آية 60).
([5])سورة الحجرات (آية 9).
([6]) مدارج السالكين (1/337), والنهاية في غريب الأثر( 4/340), وأعلام السنة المنشورة (صـ225ــــــ), والوجيز في عقيدة السلف (ص: 102 وما بعدها) , وأصول الإيمان في الكتاب والسنة (1\ 84 وما بعدها).
([7]) مجموع الفتاوى (35/165).
([8])[الحجرات: 11] 
([9]) الاستذكار (8/ 549)
([10])الرد على البكري (2/ 492)
([11])[التوبة: 66]
([12]) الفتاوى الكبرى (9/25).
([13])[النساء: 145]
([14])[التوبة: 37]
([15])[التوبة: 97]
([16])تفسير ابن كثير (4/ 201)
([17])مجموع الفتاوى (7/ 472)
([18])الصارم المسلول (ص: 516)
([19])الأم (4/ 264)
([20])مجموع الفتاوى (7/ 210)
([21])مجموع الفتاوى (12/ 487وما بعدها)
([22])[الأحزاب: 5]
([23]) أصله في الصحيحين: أخرجه البخاري (5/2325 ، رقم 5950) ، ومسلم (4/2105 ، رقم 2747) .
([24])مجموع الفتاوى (3/ 229)
([25])[التوبة: 65، 66]
([26])فتح القدير (3/ 278)
([27])الصارم المسلول (ص: 184)
([28])الرسالة (ص: 357)
([29])مجموع الفتاوى (4/ 54)
([30])إرشاد الساري (10/ 170)
([31])الاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد (ص: 11), وهو متناثر في كتب شيخ الإسلام خصوصا وكتب السلف عموما في غير ما موضع.
([32])الأشباه والنظائر (صـ200ــ)
([33])المغني لابن قدامة (2/ 442)
([34])القواعد والفوائد الأصولية (صـ58ــ)
([35])مدارج السالكين (1/ 338).
([36])الصارم المسلول (ص: 513)
([37])فتاوى اللجنة الدائمة ط الدويش. (3/ 36)
([38])الفتاوى والبيانات التي صدرت من اللجنة الدائمة في التحذير من ظاهرة الإرجاء وبعض الكتب الداعية إليه (ص: 8)
([39]) انظر المصدر السابق والذي قبله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق