الأخبار

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

نظرة سريعة في مسألة تمزيق كتاب النصارى. [مقال قديم]




الحمد لله وبعد: فهذا مقال كنت قد كتبته حينما تهافت العلمانيون والصليبيون على الشيخ أبي إسلام بعد فوران نخوته على الذين أهانوا كتاب الله شرقا وغربا وتطاولوا حتى قام بعضهم بالتبول على المصحف الشريف المحفوظ بحفظ الله, فقام الشيخ بحرق النسخة الانجليزية المكتوبة بخط بعض الصليبيين فقام الشيوخ مخطئين للشيخ وتبعهم تلامذتهم وافتتن الناس حتى صار الناس أعداء للحق وتناسوا حق الله في ساب الله وكتابه.
فقلت أعيد نسخها لعله ينتفع بها أحدهم فنرجوا بها من الله المثابة.
نظرة سريعة في مسألة تمزيق كتاب النصارى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك مسائل لابد من ضبطها قبل إنزال الحكم:
المسألة الأولى: حقيقة هؤلاء: وهؤلاء هم أهل الإرجاء والخنوع والإرجاف لا يعرفون النخوة إلا على إخوانهم:
مذهبهم السائد: عند الحق والجد: ( نخشى أن تصيبنا دائرة ) الدماء وحرمته, وعند العزم والجهاد: (ائذن لي ولا تفتني) وقالوها عند الثورة ومنعوا إخوانهم من النزول. وفي الموالاة تراهم خوارج على إخوانهم مرجئة مع أعداء إخوانهم(في القبلة لا أكثر) خلافا للصحابة (أشداء على الكفار رحماء بينهم).

المسألة الثانية: حقيقة السب:
أصل السب هو الانتقاص, وتارة يستعمل بمعنى اللعن (المحيط في اللغة للصاحب ابن عباد).
والسب نوعان:
سب صريح: واضح غير محتمل.
سب محتمل: وهي تلك الألفاظ المشتركة التي تحمل سبا وغيره.
ويرجع فيها للعرف مع اعتبار القرائن (حاصله في الصارم المسلول لابن تيمية)

المسألة الثالثة: هل يجوز سب آلهة المشركين؟
الأصل في ذلك قوله تعالى: [ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ]:
وإن كان ثمة خلاف في المقصود بالنهي عن سبه هل هم الكفار أنفسهم أم آلهتهم إلا أن جماهير المفسرين على أنه المقصود النهي عن سب ألهتهم والأمر قريب.
وهنا يلاحظ في الآية أمور:
1-     أنهم سماهم يدعون من دون الله أي مشركين.
2-     وصفهم بالجهل والظلم والاعتداء في قوله ( عدوا بغير علم ). قال البغوي: [{ فيسبوا الله عدوا } أي: اعتداء وظلما، { بغير علم } معالم التنزيل (3/ 176)
3-     أن الله سبهم في غير موضع, وسبب نزولها أن الله سبهم في رواية, قال ابن عباس: لما نزلت "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" قال المشركون: يا محمد لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون ربك، فنهاهم الله تعالى أن يسبوا أوثانهم. تفسير البغوي (3/ 176).
4-     أن تسميتهم بالمشركين ووصفهم يعبدون ما أنزل الله هي سبة ولا يلزم في السب أن يكون خلافا للواقع, بل السب هو الانتقاص كما ذكرنا, وقد لعن النبي – صلى الله عليه وسلم – اليهود والنصارى في غير موضع فقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) كما في الصحيح.
5-     أنه علل المنع بسب الله تعالى وهي مفسدة أكبر من مصلحة سب المشركين, قال (( فيسبوا الله ) والفاء هنا هي السببية, قال ابن عادل في تفسير اللباب لابن عادل (7/ 115) [ فإن قيل : شتم الأصنام من أصول الطاعات ، فكيف يحسن أن ينهى عنه .فالجواب : أن هذا الشتم وإن كان طاعة ، إلا أنه إذا وقع على وجه يستلزم وجود منكر عظيم ، وجب الاحتراز منه ، والأمر ههنا كذلك؛ لأن هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله ، وشتم رسوله ، وعلى فتح باب السفاهة ، وعلى تنفيرهم عن قبول الدين ، وإدخال الغيظ والغضب في قلوبهم ، فلهذه المنكرات وقع النهي عنه .]
6-     بل في الحقيقة هي عبادة بذاتها فإذا تزاحمت مع مفسدة سب الله فترك السب أولى, قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (6/ 172) [قوله سبحانه وتعالى : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } حرم سب الآلهة مع أنه عبادة لكونه ذريعة إلى سبهم لله سبحانه وتعالى لأن مصلحة تركهم سب الله سبحانه راجحة على مصلحة سبنا لآلهتهم]
7-     أن السب المنهي عنه هو السب الابتداء لا على سبيل الجزاء كما صرح بذلك النص, وزد على ذلك لعن النبي – صلى الله عليه وسلم – لرعل وذكوان وعصية (التي عصت الله ورسوله), ويقول شيخ الإسلام: [ [وقد قال تعالى[ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ] فإن الظالم باغ مستحق للعقوبة فيجوز أن يقابل بما يستحقه من العقوبة لا يجب الاقتصار معه على التي هي أحسن بخلاف من لم يظلم فإنه لا يجادل إلا بالتي هي أحسن ]اهـــ الجواب الصحيح (3/ 72)
الخلاصة:
أن السب المنهي عنه: هو سب مخصوص - وإلا فيجوز لعنهم على العموم ويجوز تسفيههم (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) وغير ذلك مما سبق - وعلته هو تجنب أن يسب الله تعالى, أي السب على سبيل الابتداء, وأما على سبيل الجزاء فذلك يجب فيه السب لوجوه:
-       لانتفاء العلة المانعة إذ حصل السب.
-       رجوع الأمر لأصله وهو كونه عبادة.
-       وجوب الانتصار لله تعالى.

المسألة الثالثة: هل يجوز تمزيق الكتب المنزلة أو حرقها؟
فالكتب: لها حالتان:
إما أن تكون صحيحة.
وإما أن تكون محرفة.
والحرق والتمزيق له حالتان:
إما أن يكون على سبيل الامتهان, فإن كان القرآن كان كفرا مجردا. وإن كان غير القرآن فهذا موضع التقرير والبيان.
وإما أن يكون على سبيل المصلحة الشرعية: وذلك يجوز اتفاقا إذا اقتضت الحاجة الشرعية الملحة ذلك كما في فعل عثمان – رضي الله عنه – في المصاحف المخالفة. وقد هدم النبي – صلى الله عليه وسلم –  مسجد بني ضرار, وأمر عمر بكسر شجرة الرضوان التي كانت عندها بيعة الرضوان.
بقي الآن بيان حرق وتمزيق الكتب المحرفة على سبيل الامتهان:
فنقول ذلك له حالتان:
أن يكون على سبيل الابتداء: فذلك إن كان يؤدي إلى المثل أو ما يساويه في الضرر فهو منهي عنه يأخذ حكم السب.
أن يكون على سبيل الجزاء: وهذا الذي يخص حالتنا هذه:
وذلك جائز أو واجب لأمور:
-       لانتفاء العلة المانعة إذ حصل السب.
-       رجوع الأمر لأصله وهو كونه عبادة كما بينا من كلام شيخ الإسلام وابن عادل.
-       وجوب الانتصار لله تعالى.
-       إغاظة قلوب الكفار قدر المستطاع, وذلك أن أغيظ ما يكون في الانتصار أن يكون من جنس الاعتداء من غير زيادة ولا معصية ولذلك كان حدُ القتلِ القتلَ, وحد السرقة القطع والضمان.
فإن قيل: كان اليهود والنصارى في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ورغم ذلك لم يمزق كتبهم ولم يحرقهم.
فالجواب: أن القاعدة تقول: إن عدم الفعل مع وجود المقتضى مع عدم المانع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم – يصير الأمر بدعة, وهذه القاعدة صحيحة في ذاتها وسنطبقها في حالتنا هذه:
فنقول: لنا مأخذان على الاستدلال:
الأول: أين وجود المقتضى ؟
الثاني: هل مزقوا مصاحفنا حتى نمزق إنجيلهم؟
بل زد ثالثا: من أين أتينا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يمزق ؟ فإن قلنا الأصل العدم قلنا الاحتمال باقِ, مع عدم المانع.
بل جاء في الآثار أن عمر ألقى التوراة في التنور أي حرقها, ويقول ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص: 399)
 فصل::  وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها.
 قال المروذي قلت لأحمد استعرت كتابا فيه أشياء رديئة ترى أن أخرقه أو أحرقه قال نعم فاحرقه وقد رأى النبي صلى الله عليه و سلم بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن فتمعر وجه النبي صلى الله عليه و سلم حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه
 فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه و سلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة والله المستعان]اهـــ
ـــــ
زد على ذلك: هل هذا كتاب الله أصلا أيها القوم؟
لن أنقل نصوصا يصفون الله فيها:
1-     بالعاجز.
2-     النادم.
3-     بالعث والسوس.
4-     بالخروف.
5-     بالسكران.
6-     بالجهل.
7-     بالضعف.
8-     بالتعب.
هل أزيدكم يرحمكم الله؟
ماذا يقولون في الأنبياء؟
في زنا المحارم؟
في الخيانة؟
لن أزيدكم إلا بخاتمة:
كان ابن خالتي وهو رجل يحب الإسلام وكان حينها عازبا لم يتزوج طلب أن يقرأ في الإنجيل وكنت قد أعطيت له كلاما مختصرا فحذرته بشدة وقال أبشر – وندمت في نفسي – فطلبه لأيام فجاء به يوم غد قال لي – ما معناه - خذ (ياعم الشيخ): أنا والله خفت على نفسي ايه الكلام ده مقدرتش يا أخي, فقلت إذن هو بخير.
فيالا حظ المتهافتين للدفاع عن مثل هذا الكتاب!!
للفائدة: روى ابن أبي شيبة في مصنفه  (3/ 477)
عن ابن عباس، قال: «كلوا ذبائح بني ثعلبة، وتزوجوا نساءهم» فإن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} [المائدة: 51]، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم]
فنعوذ بالله من ولاية الكفر وأهله.
ـــــــــــــــــــــــ
انتهى.

والحمد لله في الأولى والآخرة.

                         (أبو صهيب الحنبلي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق