الأخبار

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

لا ثيوقراطية في الإسلام: [مقال كتبته قبل خلع الطاغوت بأيام]


الحمد لله وبعد :
فهذه وريقات كنت قد جمعت [معلوماتها] قبل رحيل الطاغوت السابق – اعتباريا - عن الحكم  فيها جمع لبعض ما ورد في الإنكار على الحكام – حتى ولو كان مسلما مستسلما لأوامر الله في الحكم - وعده المخالفون من الخروج على الحاكم . وهو جمع لبعض الأدلة ومن دون ترتيب. فقد جمعته على عجل. ونسأل الله القبول .
ذكر بعض القواعد المهمة :
عند فهم النصوص لابد من مراعاة التالي:
المسألة الأولى : أن المنهج الذي نرتضيه اعتماد فهم السلف لكلام الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهذا طبعا مقيد بأمور :
الأول : أن الفهم المعتمد إجماعهم وإن لم يكن فجمهورهم .
الثاني : الخلاف بينهم مسوغ ولا يعني الاقتصار عليه والكف عن طلب الحق. مثل رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – لله تعالى- كما ذكره شيخ الإسلام .
الثالث : أن القرون الخيرية هي القرون الثلاث الأول .

المسألة الثانية : وجوب رد المتشابه إلى المحكم وهذه القاعدة هي التي نجا بها أهل السنة, والمحكم ما احتمل معنى واحدا, والمشكل ما احتمل أكثر من معنى, فلا يقيد إلا بدليل أو قرينة ظاهرة, ولذلك كان المعتمد فهم السلف .
المسألة الثالثة : أن الألفاظ أنواع منها الوضعي والعرفي والشرعي ومجاز مطلق على قول من قال بالمجاز في اللغة , فإن كان فالأصل استخدام المعنى الشرعي إلا بقرينة ظاهرة أو سياق أو دليل من الخارج (من نص آخر ) , وأضرب مثالا : كالصلاة : فهي في اللغة الدعاء , وفي الاصطلاح : هي أقوال مخصوصة وأفعال مخصوصة على وجه مخصوص تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. فإذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – صل فإنك لم تصل كما في الصحيح فيقال أي الصلاة المعروفة , وإذا قال ((من دعي إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل. كما عند مسلم, فهذه قرينة على أن المعنى هو الدعاء , فليس السياق محل صلاة (المعروفة) بل هو مقامه الدعاء .

فلو طبقنا هذه القواعد المتفق عليها جملة :
سنقف – بإذن الله - على جمع لهذه النصوص الشريفة : وهي أن الخروج ((المذموم )) على الحاكم هو ما كان من جنس المنابذة والمقاتلة للحاكم ((الشرعي)) .
فالشرط الأول أن يكون حاكما شرعيا مقيما للصلاة أي مصليا داعيا إليها .
وقد نقل الإجماع على هذا القاضي عياض – رحمه الله - :
قالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا ، قَالَ : وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة ، قَالَ : وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : تَنْعَقِد لَهُ ، وَتُسْتَدَام لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل ، قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة ، وَسَقَطَتْ طَاعَته ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر ))([1])
.
قال أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.))([2])
قلت : إذا طرأ عليه بدعة أو فسق لا يكون ذلك مسوغا للخروج عليه إنما فقط الإنكار . وهذا ما فعله أحمد مع المأمون لأنه متأول ولكون بقائه الحاكم المسلم أقل ضررا من عزله غالبا ( لحصول المقاتلة غالبا ) .
ولذلك قال النووي بعدها : وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم وَتَعْطِيل الْحُقُوق ، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع ،)([3])

الأمر الثاني : أن يكون الخروج بالسيف :
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .))([4])
لأن القتال مصيره إراقة دماء المسلمين وعموم الفساد وغلبته على أي مصلحة مرجوة إذا كان الحاكم مسلما حاكما بشرع الله في الجملة وإن كان ظالما.
نعم هذا حق فإن الخروج على الحاكم المسلم وإن كان ظالما مفسدة عظيمة, ولعلكم تجدون ذلك في قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَام جُنَّة يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ). كما في صحيح مسلم .
يقول النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَام جُنَّة ) أَيْ : كَالسِّتْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَدُوّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيَمْنَع النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ، وَيَحْمِي بَيْضَة الْإِسْلَام ، وَيَتَّقِيه النَّاس وَيَخَافُونَ سَطْوَته ، وَمَعْنَى يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ أَيْ : يُقَاتَل مَعَهُ الْكُفَّار وَالْبُغَاة وَالْخَوَارِج وَسَائِر أَهْل الْفَسَاد وَالظُّلْم مُطْلَقًا ، وَالتَّاء فِي ( يُتَّقَى ) مُبْدَلَة مِنْ الْوَاو لِأَنَّ أَصْلهَا مِنْ الْوِقَايَة .([5]).
وقال ابن عبد البر : والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح))([6])
فهذا هو الإمام الذي يعرفه السلف .
ولذلك قال النبي  - صلى الله عليه وسلم  - ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَة لَقِيَ اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَام لَا حُجَّة لَهُ ), لأن فاعل هذا كما قال صلى الله عليه وسلم ( يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ ), ولذلك بايع الصحابة على السمع والطاعة (فَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَعُبَادَةَ ( بَايَعْنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله ), وقال : ( وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّة ).
ــــــــــــــــــــ
ولكن هل تكون الطاعة في كل شيء ؟
تعرفه بما جاء عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، قال : فلما خرجوا - قال - : وجد عليهم في شيء ، قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قال : قالوا : بلى ، قال : فقال : اجمعوا حطبا ، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها ، قال : فهم القوم أن يدخلوها ، قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا ، قال : فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه ، فقال لهم : لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف.)) "البخاري"
قال ابن رجب الحنبلي : وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : (( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف )) .([7])
وفي " المسند " عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ
إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟
فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا طاعة لمن لم يُطع الله - عز وجل -))([8])
ــــــــــــــ
وهل إنكار المنكر يقتصر على غير الحكام ؟
قال النووي – رحمه الله - :
((ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين))([9])
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ))([10])


وفي الحديث (( فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، والنفقة ، في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله ، لا تخافون في الله لومة) ([11])

قال النووي :
((قَوْله : ( وَعَلَى أَنْ نَقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم )
مَعْنَاهُ : نَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ زَمَان وَمَكَان ، الْكِبَار وَالصِّغَار ، لَا نُدَاهِن فِيهِ أَحَدًا ، وَلَا نَخَافهُ هُوَ ، وَلَا نَلْتَفِت إِلَى الْأَئِمَّة ، فَفِيهِ : الْقِيَام بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ عَلَى غَيْره ، سَقَطَ الْإِنْكَار بِيَدِهِ وَلِسَانه ، وَوَجَبَتْ كَرَاهَته بِقَلْبِهِ ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير ، وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَار مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَة وَغَيْرهَا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَبَسَطْته بَسْطًا شَافِيًا ([12]).

وقال عمير وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به عن النبي
 قال خضير فقلت لعبادة أفرأيت إن أنا أطعته قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجيء هذا فينقذك ([13])
وقال محمد بن جرير الطبري :
((فإن ظن ظان أن فى قوله  - صلى الله عليه وسلم -  فى حديث أنس:  « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى »  وفى قوله فى حديث ابن عباس:  « من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر »  حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا فى معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف.([14])
 ـــــــــــ
- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ، قَالُوا : أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا . مَا صَلَّوْا ) ([15])
قال النووي :
هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا : ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَظَاهِرَة ، وَمَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته ، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ ، وَلْيَبْرَأْ .
وَأَمَّا مَنْ رَوَى ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَمَعْنَاهُ - وَاَللَّه أَعْلَم - فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) مَعْنَاهُ : لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ .
وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت . بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ ([16]).
قلت : وهذا كلام النووي الذي يحذفه مردة الإرجاء العصري من كلام النووي – رحمه الله – ولا يأتون إلا بهذا المقطع,
قال النووي :
وَأَمَّا قَوْله : ( أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، مَا صَلَّوْا ) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ([17]).
 وهذا دليل عليهم وليس لهم لأنه فرق هنا بين الخروج المذموم والإنكار على الحاكم. وهو حق فإنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم .
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل الفقيه أبو سعيد الخدري فأنكر على مروان بن الحكم وكان خليفة للمسلمين وأراد أن يخطب في الناس قبل أن يصلي يوم العيد . فأمسكه من تلابيب جلبابه وجذبه إلى المصلاة ثم روى حديث (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... )) وسيأتي قريبا بإذن الله .
- ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ، قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ، فقال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة. ([18])

-  ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال :  اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه . ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به. ))([19])

وأصرح من ذلك قوله : ((صلى الله عليه وسلم )) (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ,
 وفي رواية الحاكم (( حمزة سيدة الشهداء ورجل قام إلى إمامه فأمره ونهاه فقتله )) وهذا واضح جدا كما ذكرته آنفا .
قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر))([20])


-  ثم ماذا نفعل مع هذه الأحاديث ولماذا الحاكم لا يحل لنا أن نأمره وننهاه ؟ ففي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي

ثم يقال : ماذا نفعل في مثل قوله :
ــــــــــــــــــــــ
قلت : وإليكم بعض الآثار عن سلفنا الصالح :
فها هو أبو بكر الصديق ثاني اثنين (رضي الله عنه ) : لما تولى (( حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة ))
وصحح إسناده ابن كثير . وهو من الشهرة بمكان .([21])
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبدا لله؟، قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان، فقال لا تعجل، يا عبدا لله، يا عبدالله، فلم يجبه أحد، فقال يا عبدالله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين , فقال: نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك، قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع) ([22])
وعمر هو عمر فلا يعرف أحد أفضل منه بعد أبي بكر – رضي الله عنهما – .
ولما قال عمر رضي الله عنه في مهور النساء وردَّته المرأة بقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:20) ، فرجع عن قوله وقال : ( أصابتِ امرأةٌ ورجلٌ أخطأ )([23])

وكذلك خروج عائشة أم المؤمنين , والزبير حواري رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومعهم ألوف مؤلفة, إلى البصرة مطالبين عاليا بدم عثمان (رضي الله عنهما ), ولم يكن معهم سيف ولا أرادوا القتال ولم يقل علي لهم إن هذا خروج على الحاكم أو أن هذا بدعة لا تجوز .
قال صاحب المختصر في تاريخ البشر :
وقد عنون لها فقال  (( مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ))
((ولما بلغ عائشة قتل عثمان، أعظمت ذلك، ودعت إِلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر، وجماعة من بني أمية، وجمعوا جمعاً عظيماً، واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة ))([24])
وهؤلاء الذين خرجوا مطالبين بدم عثمان – رضي الله عنهم – أكابر, وكلا الطرفين دعواهما حق وإحداهما أحق من الأخرى كما جاء في النص :
( لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ) وهو في الصحيحين .
وفي رواية أخرى : تلتقي من أمتي فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينا هم كذلك إذ مرقت بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق )) فسماها أولى الطائفتين بالحق يعني كلاهما على الحق وإحداهما أحق من الأخرى, وهي طائفة علي – رضي الله عنهم جميعا - . ولما خرج هؤلاء الأكابر من الصحابة – رضي الله عنهم – هل قال علي – رضي الله عنه – لهم إن هذه بدعة ؟ أو إن هذا خروج على الحاكم ؟
قال الحافظ ابن حجر : ((فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه ))([25]) ـــــــــ
وفي صحيح مسلم أن عنبسة بن أبي سفيان - وكان والياً لمعاوية رضي الله عنه على الطائف - لما أراد أن يأخذ أرضاً لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تهيأ لقتاله وأمر غلمانه بأخذ أسلحتهم وقال: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد)([26])
(قال أبو محمد رحمه الله - أي ابن حزم -؛ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين إذ أمره بقبض الوهط، ورأى عبد الله بن عمرو أن أخذه واجب، وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم ))([27])
ومن ذلك أيضا : ما جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: وَجَدْنَاهُ خَيْرَ أَمِيرٍ، مَا مَاتَ لِرَجُلٍ مِنَّا عَبْدٌ إِلا أَعْطَاهُ عَبْدًا، وَلا بَعِيرٌ إِلا أَعْطَاهُ بَعِيرًا وَلا فَرَسٌ إِلا أَعْطَاهُ فَرَسًا، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي قَتْلَهُ أَخِي أَنْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ .... ثم تلت حديث (( من ولي من أمر أمتي شيئا ... ))وهو في الصحيحين بلفظه .([28])
قال النووي :
هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى
[شرح النووي على مسلم 12/ 213]

 وأنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم على مرمى ومسمع من الناس, ففي صحيح مسلم : عن أبى سعيد ، قال : أخرج مروان المنبر يوم العيد ، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة. فقام رجل ، فقال : يا مروان ، خالفت السنة ، أخرجت المنبر يوم عيد ولم يك يخرج به ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، ولم يكن يبدأ بها ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان.
 )) .([29]).
, ولعله يدخل في هذا : ما حدث لأبي حنيفة ومالك من مخالفتهم أمر الحاكم في تولي القضاء حتى ضربوا ولم يستجيبوا , وما ثبت عن أحمد من مخالفته في المجاهرة بالحق مخالفة للحاكم, ولما اجتمع الناس خوفا على الإمام أحمد. خرج المأمون عليهم وقال لهم ما مضمونه إنه بعافية ولم يمسه . بل لما حبس المزي بغير حق, ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى السجن فأخرجه, وكان يهابه السلطان والأمراء, وكان العز بن عبد السلام ينكر على السلاطين حتى قال لأحدهم (( أو أنت ممن قال : إنا وجدنا آبائنا على أمة ))؟؟ ذكرها الذهبي في السير فيما أذكر .

قال الغزالي :
((واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة كما روي أن مروان بن الحكم )([30])

وقد ذكر الغزالي في هذا الباب آثارا في حسبة العلماء على الولاة وإنكارهم عليهم


ـــــــــــ
وقد يقال لماذا لم يكن الإنكار على الخلفاء بقدر إنكارهم على غيرهم ؟:
يجيب على ذلك ابن عبد البر – رحمه الله - :
قال أبو عمر إنما فر من فر من الأمراء لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم ولا يغير عليهم ولا يسلم من متابعتهم, وقد كان الفضيل بن عياض يشدد في هذا فيقول ربما دخل العالم على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه منه شيء قالوا كيف ذلك قال يمدحه في وجهه ويصدقه في كذبه وذكر احمد بن حنبل عن ابن المبارك قال لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم قال وأنا أخاف ألا أصدقهم ([31])

ــــــــــــــ
ثم يقال : فكيف العمل وما الجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبين طاعة ولي الأمر وبين نصيحة الإمام سرا ؟
نقول :
نبين ذلك في مسائل :
المسألة الأولى معرفة الخروج المذموم : وهو فيما يلي :

-  ما كان للمقاتلة والمنابزة والمنازعة ولشق عصا المسلمين ولتفريقهم كما جاء في النصوص السابقة, أو من ألب الناس على مقاتلة الحاكم المسلم كما كان يفعل القعدية من الخوارج .
-  وأن يكون الحاكم مسلما مقيما للدين داعيا إلى الصلاة كما في السنة وذكرنا كلام أهل العلم فيه ابن عبد البر والنووي وكذلك كلام علي رضي الله عنه .

المسألة الثانية :
إن حال الحاكم على ثلاث :

-      كافر : وجب الخروج عليه عند القدرة .
-  ظالم  : يطاع في المعروف ولا يجوز الخروج عليه إنما الموعظة والتخويف بالأحاديث الواردة كما قال ذكر أهل العلم استدلالا بالنصوص  .
-      عادل : لا يجوز الخروج عليه ووجبت طاعته والدعاء له سنة عند السلف .

المسألة الثالثة :
حال أمر الحاكم المسلم :

·       مما أمر الله : وهذا وجب الائتمار به طاعة لله ثم للحاكم فطاعة الحاكم من طاعة الله.
·       مما سكت عنه الشارع : فهذا يجب طاعة الحاكم المسلم فيه .
·       مما خالف الله ورسوله : فهذا لا يجوز طاعته فيه .

المسألة الرابعة :

·       يجمع بين كلام السلف بوجهين :
·   أنه إذا كانت المعصية أو المخالفة من الحاكم أمام الناس فإنما ينكر عليه أمام الناس قدر الإمكان . ولذلك أنكر أبو سعيد الخدري على مروان أمام الناس .
·   وإن كانت في الولاية ولم يدر بها أكثر الناس ففي الخفاء, ولهذا أنكر أسامة على عثمان سرا . كما تقدم . وعليه يحمل حديث ( من بدا له نصيحة لسلطانه فلا يبدها له علانية )) وهو عند أحمد وابن أبي عاصم, على فرض ضحته  وقد صححه الشيخ الألباني, وكذلك نصيحة ابن عباس كما جاء عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أمُرُ إمامي بالمعروف ؟
فقال ابن عباس : " إن خشيت أن يقتلك فلا ، فإن كنت فاعلا هذا ففيما بينك وبينه ولا تغتب إمامك "
·       وهناك فائدة أخرى أفادها النووي : إن كان الخليفة يرجع بالنصح فإنه ينصح سرا .
وهنا لطيفة : وهي الفرق بين الإنكار والنصيحة : فالنصيحة أشمل والإنكار أخص ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما الدين النصيحة : قلنا لمن يا رسول الله : قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
لكن الإنكار فيشترط فيه شروط :
العلم بالمنكر .
القدرة على الإنكار على قول أكثر السلف .
أي أن يكون باليد فإن لم يكن فباللسان فإن لم يستطع فبالقلب .
الثالث : ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه .

وما سبق إنما هو جمع للأحاديث وإلا لعطلنا العمل بكثير من الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام ومن بعدهم – رضي الله عنهم جميعا – والقاعدة الأصولية المشهورة تقول : إعمال النص أولى من إهماله . ولذلك لما كبر على المعتزلة والمتكلمة الجمع بين الأحاديث قالوا بعدم العمل بحديث الآحاد في العقائد,
والخلاصة : إن الإنكار على الحاكم – ولو كان مستسلما لأوامر الله حاكما بما أنزل - ليس من جنس الخروج عليه .
ــــــــــــــــــــ
وإن كان البحث يحتاج إلى ترتيب فعذري أني أسرعت في ترتيبه وتجميعه, وهو رد قديم هذبته . ونسأل الله تعالى القبول .
والحمد لله في الأولى والآخرة .
ــــــــــــ





([1] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([2] ) [شرح ابن بطال 15/ 229، بترقيم الشاملة آليا]

([3] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([4] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314],
([5] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 315]
([6] )  [التمهيد 23/ 279]

([7] ) [جامع العلوم والحكم 28/ 16]
([8] ) مسند الإمام أحمد 3/213 ، قال الشيخ ماهر الفحل إسناده لا بأس به إن شاء الله
([9] ) [شرح النووي على مسلم 12/ 229]
([10] ) [الاستذكار 5/ 15]
([11] ) أخرجه "مسلم" 6/16(4796)

([12] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 313]
([13] ) [التمهيد 23/ 277]
([14] ) [شرح ابن بطال 15/ 228، بترقيم الشاملة آليا]

([15] ) أخرجه مسلم (3/1480 ، رقم 1854)
([16] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]

([17] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]
([18] ) رواه البخاري (4832).
5/203(4340), و"مسلم" 6/15(4793)
([19] ) أخرجه "مسلم"(6/7)
([20] ) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 23/ 34، بترقيم الشاملة آليا]
([21] ) [جامع الأحاديث 25/ 211]
([22] ) أعلام الموقعين (2/ 180)
([23] ) [الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي [ص: 2]
([24] ) [المختصر في أخبار البشر 1/ 119، بترقيم الشاملة آليا],
([25] ) [فتح الباري - 6/ 616]
([26] ) [وروى البخاري المرفوع منه].
([27] ) ).المحلى ((10/835))
([28] ) [مستخرج أبي عوانة - 8/ 159]
([29] ) أخرجه "مسلم" 1/50(86)
([30] ) [إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي 3/ 322:321]
([31] ) [التمهيد 21/ 286]




الحمد لله وبعد :
فهذه وريقات كنت قد جمعت [معلوماتها] قبل رحيل الطاغوت السابق – اعتباريا - عن الحكم  فيها جمع لبعض ما ورد في الإنكار على الحكام – حتى ولو كان مسلما مستسلما لأوامر الله في الحكم - وعده المخالفون من الخروج على الحاكم . وهو جمع لبعض الأدلة ومن دون ترتيب. فقد جمعته على عجل. ونسأل الله القبول .
ذكر بعض القواعد المهمة :
عند فهم النصوص لابد من مراعاة التالي:
المسألة الأولى : أن المنهج الذي نرتضيه اعتماد فهم السلف لكلام الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وهذا طبعا مقيد بأمور :
الأول : أن الفهم المعتمد إجماعهم وإن لم يكن فجمهورهم .
الثاني : الخلاف بينهم مسوغ ولا يعني الاقتصار عليه والكف عن طلب الحق. مثل رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – لله تعالى- كما ذكره شيخ الإسلام .
الثالث : أن القرون الخيرية هي القرون الثلاث الأول .

المسألة الثانية : وجوب رد المتشابه إلى المحكم وهذه القاعدة هي التي نجا بها أهل السنة, والمحكم ما احتمل معنى واحدا, والمشكل ما احتمل أكثر من معنى, فلا يقيد إلا بدليل أو قرينة ظاهرة, ولذلك كان المعتمد فهم السلف .
المسألة الثالثة : أن الألفاظ أنواع منها الوضعي والعرفي والشرعي ومجاز مطلق على قول من قال بالمجاز في اللغة , فإن كان فالأصل استخدام المعنى الشرعي إلا بقرينة ظاهرة أو سياق أو دليل من الخارج (من نص آخر ) , وأضرب مثالا : كالصلاة : فهي في اللغة الدعاء , وفي الاصطلاح : هي أقوال مخصوصة وأفعال مخصوصة على وجه مخصوص تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. فإذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – صل فإنك لم تصل كما في الصحيح فيقال أي الصلاة المعروفة , وإذا قال ((من دعي إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصل. كما عند مسلم, فهذه قرينة على أن المعنى هو الدعاء , فليس السياق محل صلاة (المعروفة) بل هو مقامه الدعاء .

فلو طبقنا هذه القواعد المتفق عليها جملة :
سنقف – بإذن الله - على جمع لهذه النصوص الشريفة : وهي أن الخروج ((المذموم )) على الحاكم هو ما كان من جنس المنابذة والمقاتلة للحاكم ((الشرعي)) .
فالشرط الأول أن يكون حاكما شرعيا مقيما للصلاة أي مصليا داعيا إليها .
وقد نقل الإجماع على هذا القاضي عياض – رحمه الله - :
قالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ الْإِمَامَة لَا تَنْعَقِد لِكَافِرٍ ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْر اِنْعَزَلَ ، قَالَ : وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَة الصَّلَوَات وَالدُّعَاء إِلَيْهَا ، قَالَ : وَكَذَلِكَ عِنْد جُمْهُورهمْ الْبِدْعَة ، قَالَ : وَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : تَنْعَقِد لَهُ ، وَتُسْتَدَام لَهُ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّل ، قَالَ الْقَاضِي : فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْر وَتَغْيِير لِلشَّرْعِ أَوْ بِدْعَة خَرَجَ عَنْ حُكْم الْوِلَايَة ، وَسَقَطَتْ طَاعَته ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَام عَلَيْهِ ، وَخَلْعه وَنَصْب إِمَام عَادِل إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَقَع ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقِيَام بِخَلْعِ الْكَافِر ))([1])
.
قال أبو بكر بن الطيب: أجمعت الأمة أنه يوجب خلع الإمام وسقوط فرض طاعته كفره بعد الإيمان، وتركه إقامة الصلاة والدعاء إليها، واختلفوا إذا كان فاسقًا ظالمًا غاصبًا للأموال؛ يضرب الأبشار ويتناول النفوس المحرمة ويضيع الحدود ويعطل الحقوق فقال كثير من الناس: يجب خلعه لذلك.))([2])
قلت : إذا طرأ عليه بدعة أو فسق لا يكون ذلك مسوغا للخروج عليه إنما فقط الإنكار . وهذا ما فعله أحمد مع المأمون لأنه متأول ولكون بقائه الحاكم المسلم أقل ضررا من عزله غالبا ( لحصول المقاتلة غالبا ) .
ولذلك قال النووي بعدها : وَقَالَ جَمَاهِير أَهْل السُّنَّة مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ : لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلْم وَتَعْطِيل الْحُقُوق ، وَلَا يُخْلَع وَلَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بَلْ يَجِب وَعْظه وَتَخْوِيفه ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ اِدَّعَى أَبُو بَكْر بْن مُجَاهِد فِي هَذَا الْإِجْمَاع ،)([3])

الأمر الثاني : أن يكون الخروج بالسيف :
قال النووي : قَالَ الْعُلَمَاء : وَسَبَب عَدَم اِنْعِزَاله وَتَحْرِيم الْخُرُوج عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِتَن ، وَإِرَاقَة الدِّمَاء ، وَفَسَاد ذَات الْبَيْن ، فَتَكُون الْمَفْسَدَة فِي عَزْله أَكْثَر مِنْهَا فِي بَقَائِهِ .))([4])
لأن القتال مصيره إراقة دماء المسلمين وعموم الفساد وغلبته على أي مصلحة مرجوة إذا كان الحاكم مسلما حاكما بشرع الله في الجملة وإن كان ظالما.
نعم هذا حق فإن الخروج على الحاكم المسلم وإن كان ظالما مفسدة عظيمة, ولعلكم تجدون ذلك في قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّمَا الْإِمَام جُنَّة يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ ). كما في صحيح مسلم .
يقول النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِمَام جُنَّة ) أَيْ : كَالسِّتْرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَع الْعَدُوّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيَمْنَع النَّاس بَعْضهمْ مِنْ بَعْض ، وَيَحْمِي بَيْضَة الْإِسْلَام ، وَيَتَّقِيه النَّاس وَيَخَافُونَ سَطْوَته ، وَمَعْنَى يُقَاتَل مِنْ وَرَائِهِ أَيْ : يُقَاتَل مَعَهُ الْكُفَّار وَالْبُغَاة وَالْخَوَارِج وَسَائِر أَهْل الْفَسَاد وَالظُّلْم مُطْلَقًا ، وَالتَّاء فِي ( يُتَّقَى ) مُبْدَلَة مِنْ الْوَاو لِأَنَّ أَصْلهَا مِنْ الْوِقَايَة .([5]).
وقال ابن عبد البر : والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح))([6])
فهذا هو الإمام الذي يعرفه السلف .
ولذلك قال النبي  - صلى الله عليه وسلم  - ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَة لَقِيَ اللَّه تَعَالَى يَوْم الْقِيَام لَا حُجَّة لَهُ ), لأن فاعل هذا كما قال صلى الله عليه وسلم ( يُرِيد أَنْ يَشُقّ عَصَاكُمْ ), ولذلك بايع الصحابة على السمع والطاعة (فَفِي حَدِيث اِبْن عُمَر وَعُبَادَةَ ( بَايَعْنَا عَلَى السَّمْع وَالطَّاعَة ، وَأَلَّا نُنَازِع الْأَمْر أَهْله ), وقال : ( وَمَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَة مَاتَ مِيتَة جَاهِلِيَّة ).
ــــــــــــــــــــ
ولكن هل تكون الطاعة في كل شيء ؟
تعرفه بما جاء عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي ، قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار ، قال : فلما خرجوا - قال - : وجد عليهم في شيء ، قال : فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قال : قالوا : بلى ، قال : فقال : اجمعوا حطبا ، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ، ثم قال : عزمت عليكم لتدخلنها ، قال : فهم القوم أن يدخلوها ، قال : فقال لهم شاب منهم : إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ، فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا ، قال : فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه ، فقال لهم : لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا ، إنما الطاعة في المعروف.)) "البخاري"
قال ابن رجب الحنبلي : وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسَّمع والطَّاعة لأُولي الأمر إشارةٌ إلى أنَّه لا طاعةَ لأولي الأمر إلاّ في طاعة اللهِ ، كما صحَّ عنه أنَّه قال : (( إنَّما الطَّاعةُ في المعروف )) .([7])
وفي " المسند " عن أنس : أنَّ معاذَ بن جبل قال : يا رسول الله ، أرأيتَ
إنْ كان علينا أمراءُ لا يستنُّون بسنَّتك ، ولا يأخذون بأمركَ ، فما تأمرُ في أمرهم ؟
فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا طاعة لمن لم يُطع الله - عز وجل -))([8])
ــــــــــــــ
وهل إنكار المنكر يقتصر على غير الحكام ؟
قال النووي – رحمه الله - :
((ومعنى عندكم من الله فيه برهان أي تعلمونه من دين الله تعالى ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث ما كنتم وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين))([9])
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ))([10])


وفي الحديث (( فقلنا : يا رسول الله ، علام نبايعك ؟ قال : تبايعوني على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ، والنفقة ، في العسر واليسر ، وعلى الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأن تقولوا في الله ، لا تخافون في الله لومة) ([11])

قال النووي :
((قَوْله : ( وَعَلَى أَنْ نَقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي اللَّه لَوْمَة لَائِم )
مَعْنَاهُ : نَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وَنَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر فِي كُلّ زَمَان وَمَكَان ، الْكِبَار وَالصِّغَار ، لَا نُدَاهِن فِيهِ أَحَدًا ، وَلَا نَخَافهُ هُوَ ، وَلَا نَلْتَفِت إِلَى الْأَئِمَّة ، فَفِيهِ : الْقِيَام بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر .
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ فَرْض كِفَايَة فَإِنْ خَافَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ عَلَى غَيْره ، سَقَطَ الْإِنْكَار بِيَدِهِ وَلِسَانه ، وَوَجَبَتْ كَرَاهَته بِقَلْبِهِ ، هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير ، وَحَكَى الْقَاضِي هُنَا عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْإِنْكَار مُطْلَقًا فِي هَذِهِ الْحَالَة وَغَيْرهَا ، وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ فِي كِتَاب الْإِيمَان وَبَسَطْته بَسْطًا شَافِيًا ([12]).

وقال عمير وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به عن النبي
 قال خضير فقلت لعبادة أفرأيت إن أنا أطعته قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجيء هذا فينقذك ([13])
وقال محمد بن جرير الطبري :
((فإن ظن ظان أن فى قوله  - صلى الله عليه وسلم -  فى حديث أنس:  « اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشى »  وفى قوله فى حديث ابن عباس:  « من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر »  حجة لمن أقدم على معصية الله بأمر سلطان أو غيره، وقال: قد وردت الأخبار بالسمع والطاعة لولاة الأمر فقد ظن خطئًا، وذلك أن أخبار رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  لا يجوز أن تتضاد، ونهيه وأمره لا يجوز أن يتناقض أو يتعارض، وإنما الأخبار الواردة بالسمع والطاعة لهم ما لم يكن خلافًا لأمر الله وأمر رسوله، فإذا كان خلافًا لذلك فغير جائز لأحد أن يطيع أحدًا فى معصية الله ومعصية رسوله، وبنحو ذلك قال عامة السلف.([14])
 ـــــــــــ
- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَتَكُونُ أُمَرَاء فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ، قَالُوا : أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا . مَا صَلَّوْا ) ([15])
قال النووي :
هَذَا الْحَدِيث فِيهِ مُعْجِزَة ظَاهِرَة بِالْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ ، وَوَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْدهَا : ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَأَمَّا رِوَايَة مَنْ رَوَى ( فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَظَاهِرَة ، وَمَعْنَاهُ : مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ الْمُنْكَر فَقَدْ بَرِئَ مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته ، وَهَذَا فِي حَقّ مَنْ لَا يَسْتَطِيع إِنْكَاره بِيَدِهِ لَا لِسَانه فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ ، وَلْيَبْرَأْ .
وَأَمَّا مَنْ رَوَى ( فَمَنْ عَرَفَ فَقَدْ بَرِئَ ) فَمَعْنَاهُ - وَاَللَّه أَعْلَم - فَمَنْ عَرَفَ الْمُنْكَر وَلَمْ يَشْتَبِه عَلَيْهِ ؛ فَقَدْ صَارَتْ لَهُ طَرِيق إِلَى الْبَرَاءَة مِنْ إِثْمه وَعُقُوبَته بِأَنْ يُغَيِّرهُ بِيَدَيْهِ أَوْ بِلِسَانِهِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ) مَعْنَاهُ : لَكِنَّ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة عَلَى مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ .
وَفِيهِ : دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ إِزَالَة الْمُنْكَر لَا يَأْثَم بِمُجَرَّدِ السُّكُوت . بَلْ إِنَّمَا يَأْثَم بِالرِّضَى بِهِ ، أَوْ بِأَلَّا يَكْرَههُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِالْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ ([16]).
قلت : وهذا كلام النووي الذي يحذفه مردة الإرجاء العصري من كلام النووي – رحمه الله – ولا يأتون إلا بهذا المقطع,
قال النووي :
وَأَمَّا قَوْله : ( أَفَلَا نُقَاتِلهُمْ ؟ قَالَ : لَا ، مَا صَلَّوْا ) فَفِيهِ مَعْنَى مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوز الْخُرُوج عَلَى الْخُلَفَاء بِمُجَرَّدِ الظُّلْم أَوْ الْفِسْق مَا لَمْ يُغَيِّرُوا شَيْئًا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام ([17]).
 وهذا دليل عليهم وليس لهم لأنه فرق هنا بين الخروج المذموم والإنكار على الحاكم. وهو حق فإنه لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم .
وهذا ما فهمه الصحابي الجليل الفقيه أبو سعيد الخدري فأنكر على مروان بن الحكم وكان خليفة للمسلمين وأراد أن يخطب في الناس قبل أن يصلي يوم العيد . فأمسكه من تلابيب جلبابه وجذبه إلى المصلاة ثم روى حديث (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ... )) وسيأتي قريبا بإذن الله .
- ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال:
خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم وتصلون عليهم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم ، وتلعنونهم ويلعنونكم ، قيل : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف ، فقال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ، ولا تنزعوا يدا من طاعة. ([18])
-  ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال :  اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه . ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به. ))([19])
وأصرح من ذلك قوله : ((صلى الله عليه وسلم )) (( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ,
 وفي رواية الحاكم (( حمزة سيدة الشهداء ورجل قام إلى إمامه فأمره ونهاه فقتله )) وهذا واضح جدا كما ذكرته آنفا .
قال الطبري معناه إذا أمن على نفسه أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به روي ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وهو مذهب أسامة وقال آخرون الواجب على من رأى منكرا من ذي سلطان أن ينكره علانية كيف أمكنه روي ذلك عن عمر))([20])

-  ثم ماذا نفعل مع هذه الأحاديث ولماذا الحاكم لا يحل لنا أن نأمره وننهاه ؟ ففي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (رواه الترمذي وفيه أيضاً حديث الصديق رضي الله عنه مرفوعاً (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) رواه أبو داود والترمذي
ثم يقال : ماذا نفعل في مثل قوله :
ــــــــــــــــــــــ
قلت : وإليكم بعض الآثار عن سلفنا الصالح :
فها هو أبو بكر الصديق ثاني اثنين (رضي الله عنه ) : لما تولى (( حمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة ))
وصحح إسناده ابن كثير . وهو من الشهرة بمكان .([21])
ومن ذلك ما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين (أن عمر رضي الله عنه وقف في الناس وعليه ثوبان فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبدا لله؟، قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك ثوبان، فقال لا تعجل، يا عبدا لله، يا عبدالله، فلم يجبه أحد، فقال يا عبدالله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين , فقال: نشدتك الله الثوب ائتزرت به أهو ثوبك، قال: نعم، اللهم نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع) ([22])
وعمر هو عمر فلا يعرف أحد أفضل منه بعد أبي بكر – رضي الله عنهما – .
ولما قال عمر رضي الله عنه في مهور النساء وردَّته المرأة بقوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (النساء:20) ، فرجع عن قوله وقال : ( أصابتِ امرأةٌ ورجلٌ أخطأ )([23])

وكذلك خروج عائشة أم المؤمنين , والزبير حواري رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وطلحة وهو من العشرة المبشرين بالجنة ومعهم ألوف مؤلفة, إلى البصرة مطالبين عاليا بدم عثمان (رضي الله عنهما ), ولم يكن معهم سيف ولا أرادوا القتال ولم يقل علي لهم إن هذا خروج على الحاكم أو أن هذا بدعة لا تجوز .
قال صاحب المختصر في تاريخ البشر :
وقد عنون لها فقال  (( مسير عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ))
((ولما بلغ عائشة قتل عثمان، أعظمت ذلك، ودعت إِلى الطلب بدمه، وساعدها على ذلك طلحة والزبير وعبد الله بن عمر، وجماعة من بني أمية، وجمعوا جمعاً عظيماً، واتفق رأيها على المضي إِلى البصرة ))([24])
وهؤلاء الذين خرجوا مطالبين بدم عثمان – رضي الله عنهم – أكابر, وكلا الطرفين دعواهما حق وإحداهما أحق من الأخرى كما جاء في النص :
( لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة ) وهو في الصحيحين .
وفي رواية أخرى : تلتقي من أمتي فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينا هم كذلك إذ مرقت بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق )) فسماها أولى الطائفتين بالحق يعني كلاهما على الحق وإحداهما أحق من الأخرى, وهي طائفة علي – رضي الله عنهم جميعا - . ولما خرج هؤلاء الأكابر من الصحابة – رضي الله عنهم – هل قال علي – رضي الله عنه – لهم إن هذه بدعة ؟ أو إن هذا خروج على الحاكم ؟
قال الحافظ ابن حجر : ((فخرج علي إليهم فراسلوه في ذلك فأبى أن يدفعهم إليهم إلا بعد قيام دعوى من ولي الدم وثبوت ذلك على من باشره بنفسه ))([25]) ـــــــــ
وفي صحيح مسلم أن عنبسة بن أبي سفيان - وكان والياً لمعاوية رضي الله عنه على الطائف - لما أراد أن يأخذ أرضاً لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تهيأ لقتاله وأمر غلمانه بأخذ أسلحتهم وقال: إني سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد)([26])
(قال أبو محمد رحمه الله - أي ابن حزم -؛ فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين إذ أمره بقبض الوهط، ورأى عبد الله بن عمرو أن أخذه واجب، وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلما صراحا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد الله بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم ))([27])
ومن ذلك أيضا : ما جاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَتْ لِي: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، قَالَتْ: كَيْفَ وَجَدْتُمُ ابْنَ حُدَيْجٍ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: وَجَدْنَاهُ خَيْرَ أَمِيرٍ، مَا مَاتَ لِرَجُلٍ مِنَّا عَبْدٌ إِلا أَعْطَاهُ عَبْدًا، وَلا بَعِيرٌ إِلا أَعْطَاهُ بَعِيرًا وَلا فَرَسٌ إِلا أَعْطَاهُ فَرَسًا، فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي قَتْلَهُ أَخِي أَنْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ .... ثم تلت حديث (( من ولي من أمر أمتي شيئا ... ))وهو في الصحيحين بلفظه .([28])
قال النووي :
هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى
[شرح النووي على مسلم 12/ 213]

 وأنكر أبو سعيد الخدري على مروان بن الحكم على مرمى ومسمع من الناس, ففي صحيح مسلم : عن أبى سعيد ، قال : أخرج مروان المنبر يوم العيد ، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة. فقام رجل ، فقال : يا مروان ، خالفت السنة ، أخرجت المنبر يوم عيد ولم يك يخرج به ، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، ولم يكن يبدأ بها ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده ، فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان.
 )) .([29]).
, ولعله يدخل في هذا : ما حدث لأبي حنيفة ومالك من مخالفتهم أمر الحاكم في تولي القضاء حتى ضربوا ولم يستجيبوا , وما ثبت عن أحمد من مخالفته في المجاهرة بالحق مخالفة للحاكم, ولما اجتمع الناس خوفا على الإمام أحمد. خرج المأمون عليهم وقال لهم ما مضمونه إنه بعافية ولم يمسه . بل لما حبس المزي بغير حق, ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى السجن فأخرجه, وكان يهابه السلطان والأمراء, وكان العز بن عبد السلام ينكر على السلاطين حتى قال لأحدهم (( أو أنت ممن قال : إنا وجدنا آبائنا على أمة ))؟؟ ذكرها الذهبي في السير فيما أذكر .
قال الغزالي :
((واستمرار عادات السلف على الحسبة على الولاة قاطع بإجماعهم على الاستغناء عن التفويض بل كل من أمر بمعروف فإن كان الوالي راضيا به فذاك وإن كان ساخطا له فسخطه له منكر يجب الإنكار عليه فكيف يحتاج إلى إذنه في الإنكار عليه ويدل على ذلك عادة السلف في الإنكار على الأئمة كما روي أن مروان بن الحكم )([30])
وقد ذكر الغزالي في هذا الباب آثارا في حسبة العلماء على الولاة وإنكارهم عليهم


ـــــــــــ
وقد يقال لماذا لم يكن الإنكار على الخلفاء بقدر إنكارهم على غيرهم ؟:
يجيب على ذلك ابن عبد البر – رحمه الله - :
قال أبو عمر إنما فر من فر من الأمراء لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم ولا يغير عليهم ولا يسلم من متابعتهم, وقد كان الفضيل بن عياض يشدد في هذا فيقول ربما دخل العالم على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه منه شيء قالوا كيف ذلك قال يمدحه في وجهه ويصدقه في كذبه وذكر احمد بن حنبل عن ابن المبارك قال لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم قال وأنا أخاف ألا أصدقهم ([31])

ــــــــــــــ
ثم يقال : فكيف العمل وما الجمع بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبين طاعة ولي الأمر وبين نصيحة الإمام سرا ؟
نقول :
نبين ذلك في مسائل :
المسألة الأولى معرفة الخروج المذموم : وهو فيما يلي :
-  ما كان للمقاتلة والمنابزة والمنازعة ولشق عصا المسلمين ولتفريقهم كما جاء في النصوص السابقة, أو من ألب الناس على مقاتلة الحاكم المسلم كما كان يفعل القعدية من الخوارج .
-  وأن يكون الحاكم مسلما مقيما للدين داعيا إلى الصلاة كما في السنة وذكرنا كلام أهل العلم فيه ابن عبد البر والنووي وكذلك كلام علي رضي الله عنه .
المسألة الثانية :
إن حال الحاكم على ثلاث :
-      كافر : وجب الخروج عليه عند القدرة .
-  ظالم  : يطاع في المعروف ولا يجوز الخروج عليه إنما الموعظة والتخويف بالأحاديث الواردة كما قال ذكر أهل العلم استدلالا بالنصوص  .
-      عادل : لا يجوز الخروج عليه ووجبت طاعته والدعاء له سنة عند السلف .
المسألة الثالثة :
حال أمر الحاكم المسلم :
·       مما أمر الله : وهذا وجب الائتمار به طاعة لله ثم للحاكم فطاعة الحاكم من طاعة الله.
·       مما سكت عنه الشارع : فهذا يجب طاعة الحاكم المسلم فيه .
·       مما خالف الله ورسوله : فهذا لا يجوز طاعته فيه .
المسألة الرابعة :
·       يجمع بين كلام السلف بوجهين :
·   أنه إذا كانت المعصية أو المخالفة من الحاكم أمام الناس فإنما ينكر عليه أمام الناس قدر الإمكان . ولذلك أنكر أبو سعيد الخدري على مروان أمام الناس .
·   وإن كانت في الولاية ولم يدر بها أكثر الناس ففي الخفاء, ولهذا أنكر أسامة على عثمان سرا . كما تقدم . وعليه يحمل حديث ( من بدا له نصيحة لسلطانه فلا يبدها له علانية )) وهو عند أحمد وابن أبي عاصم, على فرض ضحته  وقد صححه الشيخ الألباني, وكذلك نصيحة ابن عباس كما جاء عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس أمُرُ إمامي بالمعروف ؟
فقال ابن عباس : " إن خشيت أن يقتلك فلا ، فإن كنت فاعلا هذا ففيما بينك وبينه ولا تغتب إمامك "
·       وهناك فائدة أخرى أفادها النووي : إن كان الخليفة يرجع بالنصح فإنه ينصح سرا .
وهنا لطيفة : وهي الفرق بين الإنكار والنصيحة : فالنصيحة أشمل والإنكار أخص ولذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما الدين النصيحة : قلنا لمن يا رسول الله : قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .
لكن الإنكار فيشترط فيه شروط :
العلم بالمنكر .
القدرة على الإنكار على قول أكثر السلف .
أي أن يكون باليد فإن لم يكن فباللسان فإن لم يستطع فبالقلب .
الثالث : ألا يؤدي إلى منكر أعظم منه .
وما سبق إنما هو جمع للأحاديث وإلا لعطلنا العمل بكثير من الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام ومن بعدهم – رضي الله عنهم جميعا – والقاعدة الأصولية المشهورة تقول : إعمال النص أولى من إهماله . ولذلك لما كبر على المعتزلة والمتكلمة الجمع بين الأحاديث قالوا بعدم العمل بحديث الآحاد في العقائد,
والخلاصة : إن الإنكار على الحاكم – ولو كان مستسلما لأوامر الله حاكما بما أنزل - ليس من جنس الخروج عليه .
ــــــــــــــــــــ
وإن كان البحث يحتاج إلى ترتيب فعذري أني أسرعت في ترتيبه وتجميعه, وهو رد قديم هذبته . ونسأل الله تعالى القبول .
والحمد لله في الأولى والآخرة .
ــــــــــــ




([1] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([2] ) [شرح ابن بطال 15/ 229، بترقيم الشاملة آليا]

([3] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314]
([4] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 314],
([5] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 315]
([6] )  [التمهيد 23/ 279]

([7] ) [جامع العلوم والحكم 28/ 16]
([8] ) مسند الإمام أحمد 3/213 ، قال الشيخ ماهر الفحل إسناده لا بأس به إن شاء الله
([9] ) [شرح النووي على مسلم 12/ 229]
([10] ) [الاستذكار 5/ 15]
([11] ) أخرجه "مسلم" 6/16(4796)

([12] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 313]
([13] ) [التمهيد 23/ 277]
([14] ) [شرح ابن بطال 15/ 228، بترقيم الشاملة آليا]

([15] ) أخرجه مسلم (3/1480 ، رقم 1854)
([16] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]

([17] ) [شرح النووي على مسلم 6/ 327]
([18] ) رواه البخاري (4832).
5/203(4340), و"مسلم" 6/15(4793)
([19] ) أخرجه "مسلم"(6/7)
([20] ) [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 23/ 34، بترقيم الشاملة آليا]
([21] ) [جامع الأحاديث 25/ 211]

([22] ) أعلام الموقعين (2/ 180)
([23] ) [الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب الحنبلي [ص: 2]
([24] ) [المختصر في أخبار البشر 1/ 119، بترقيم الشاملة آليا],
([25] ) [فتح الباري - 6/ 616]
([26] ) [وروى البخاري المرفوع منه].
([27] ) ).المحلى ((10/835))
([28] ) [مستخرج أبي عوانة - 8/ 159]
([29] ) أخرجه "مسلم" 1/50(86)
([30] ) [إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي 3/ 322:321]
([31] ) [التمهيد 21/ 286]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق