الأخبار

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

سأل سائل: ما ضوابط الإكراه وما الأدلة على ما ذكره الحافظ؟



سأل سائل عن ضوابط الإكراه والأدلة على ما ذكره الحافظ في الفتح, وإسقاطها على الواقع, فكان الجواب كما يلي:
 
الحمد لله وحده:
لمعرفة ضوابط الإكراه – جملة- وإسقاطها على الواقع, لابد من اعتبار تلك الحيثيات:
1. اتفاق العلماء على التفريق بين الإكراه والضرورة. ومن أهمها أن الأول لابد من وجود مكره يجبره بخلاف الثاني فليس ثمة من يجبره عليه إلا الضيق والشدة. ويدل على التفريق قوله تعالى: في الميتة والدم لحم الخنزير: [فمن اضطر غير باغ ولا عاد], وقوله في الكفر: [إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان]
2. اعتبار الإكراه [في الجملة] رخصة لقوله تعالى: [إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان]. ولا خلاف فيهقال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 178) [ولا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان]اهــ
3. اعتبار الخلاف الواقع بين الأمة  في حد الإكراه: هل المقصود هو الإكراه الملجئ [التام] أم الإكراه غير الملجئ [الناقص], ويمثل في الأول بالتعذيب الشديد أو الحبس أو إتلاف عضو, ويمثل في الثاني بالضرب والحبس فالأول لما فوق الطاقة والثاني له اختيار مع استطاعته التحمل. ومذهب الإمام أحمد الأول. وهو الراجح لا محالة  ويمثله له بما فعل بــ عمار بن ياسر رضي الله عنهما. وتعرض لهذا ابن قدامة في المغني, ويقول شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى (5/ 489) [ تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها]اهــ
4. أن الضوابط التي ذكرها الحافظ – وقد سبقه غيره منثورا - بعضها هي مستنبطة من اشتقاق الكلمة نفسها على سبيل المثال:
a.    أنه لا يسمى إكراها إلا ما وقع على الجوارح فالقلب لا يكره إجماعا.
b. لا يسمى إكراها إلا أن يكون ثمة مكرِه قادر على فعله, فلو أن طفلا أو رجلا عجوزا ضعيفا قال: إن لم تنطق الكفر سأقتلك فالقول: إن هذا إكراه عبث.
c.  لو أن رجلا قال: إن لم تنطق الكفر الآن سأقتلك بعد شهر, فهذا لا يسمى إكراها لكونك تستطيع الهرب أو الدفاع عن نفسك في تلك المدة ولديك اختيارا ولو مؤقتا. واستثنى الحافظ أن يكون من عادة المكره تنفيذ ما وعد.
d. كما أنه لا يسمى إكراها ولدى المكرَه وسيلة للتحايل أو الهرب أو تجنب ذلك المكرَه عليه.
5.  يتفرع على ما سبق:
a. أن اللجوء للديموقراطية الشركية وجعل الشعب مصدرا للسلطات والسيادة له فيحلل ويحرم [بنعم أو بلا], وقيام المرء بالتصويت فليس هذا من الإكراه بل ليس من الضرورة في شيء.
b. أن ضيق العيش – وهي حاصلة من قبل – ووجود الدماء والاعتقالات – وهي حاصلة من قبل – لا تعتبر رخصة والأدلة على ذلك كثيرة من ذلك حادثة شعيب – عليه السلام – مع قومه يقص لنا الله تعالى ذلك قائلا: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ } ورغم أنه سمى نفسه وقومه كارهين بل هو في موقف ضعف وهم أكثرية وأكابر القرية وأشرافها, لم يقبل ذلك بل لم يرخص لقومه التقية في ذلك فقال: [قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} وسمى النزول على قولهم افتراء ومعاذ الله أن يفعل نبي الله شعيب – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
c.   أما حفظ الدماء, فدماء قتلى المسلمين شهادة وقتلاهم في النار, ولذلك شرع الله تعالى جهاد الدفع وهو أوجب ما يكون في الجهاد دفع الصائل كما قال ابن تيمية في الفتاوى.
d. اتفاق الأمة على تقديم الدين وحفظه وهو أعظم ضرورة على ما سواه من النفس والمال وغيرهما. وهذا المعنى متواتر.
e.  أنه قد حدث ما يخشى منه على سبيل المثال: قتل كثير في  الثورة وفي العباسية وفي الاتحادية وتعدي على المنتقبات والمختمرات لمجرد مظنة انتمائهن للسلفيين والإخوان رغم أن دائرة النقاب أوسع من حصرها على تلك الفئتين, بل وذبح بعض الدعاة السلفيين, وسب ليل نهار لولي أمرهم ورئيسهم بل وسب لدينهم وانتهاك حرمات شيوخهم, وتبرئة الكفار الذين يسبون دين المسلمين حتى على التلفاز كما فعل ساويرس, وإهانتهم كما فعل العلمانيون الملاحدة: كعمرو أديب وأخوه السافل عماد, ولميس الحديدي ووائل الإبراشي, وإهانة شيوخهم والحكم عليهم كما فعلوا بالشيخ الحويني والشيخ عبد الله بدر والشيخ أبو إسلام وانتهاك المساجد وحصارها كما في حادثة الشيخ المسن أحمد المحلاوي, فضلا عن خروج الصليبيين وسب الإسلاميين عيانا بيانا وتوعدهم لهم. حتى لما توافقوا مع الكفار والصليبيين على بعض المواد الشركية وأقروها تراجعوا طمعا في أكثر رغم أنه باعتراف الإسلاميين أنفسهم أنهم أي الصليبيين والعلمانيين وافقوا ووضع بعض مواده وتم الاتفاق على تلك المواد المطروحة ثم تراجعوا.
مع العلم أن هذه الحيثيات إجمالية مقتصرا على محل السؤال وكنت قد كتبت مقالا مختصرا أيضا لبيان الإكراه والضرورة [لعلي أضعه فيما بعد], كما أننا كنا قد تكلمنا عن الحلول. في مقال موجود بالمنتدى [مفاهيم لأسلمة الفهوم].
والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــ
والحمد لله في الأولى والآخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق